المكلف وأمره باتباعه لم يجب على المكلف الامتثال حتى يعلم صدقه ولا يعلم صدقه إلا بالنظر، فإذا امتنع المكلف من النظر حتى يعرف وجوبه عليه لم يجز استناد الوجوب إلى النبي لعدم العلم بصدقه حينئذ ولا وجوب عقلي فينتفي الوجوب على تقدير الوجوب السمعي. إذا عرفت هذا فنقول: قوله: ولوجوب ما يتوقف عليه العقليان، أشار بلفظة ما إلى المعرفة والعقليان أشار به إلى وجوب الشكر ووجوب دفع الخوف عن النفس. وقوله: وانتفاء ضد المطلوب على تقدير ثبوته، يشير به إلى انتفاء الوجوب السمعي الذي هو ضد المطلوب لأن المطلوب هو الوجوب العقلي وضده هو الوجوب السمعي. وقوله: على تقدير ثبوته، يعني لو فرض الوجوب سمعيا لم يكن واجبا، فهذا ما فهمناه من كلامه في هذا الموضع.
وأما الأشعرية فقد احتجوا بوجهين: الأول: قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) نفى التعذيب بدون البعثة فلا يكون النظر واجبا قبلها. الثاني:
لو وجب النظر فإما لفائدة عاجلة والواقع مقابلها أو آجلة وحصولها ممكن بدون النظر، فتوسط النظر عبث وكذا إن لم يكن لفائدة، ثم قالوا: ما ألزمتمونا به من الافحام على تقدير الوجوب السمعي لازم لكم على تقدير الوجوب العقلي، لأن وجوب النظر وإن كان عقليا إلا أنه كسبي، فالمكلف إذا جاءه النبي وأمره باتباعه كان له أن يمتنع حتى يعرف صدقه، ولا يعرف صدقه إلا بالنظر، والنظر لا يجب عليه بالضرورة بل بالنظر، فقبل النظر لا يعرف وجوبه فله أن يقول: لا أنظر حتى أعرف وجوب النظر، وذلك يستلزم الافحام أيضا.
والجواب عن الأول التخصيص، وهو حمل نفي التعذيب المتوقف على الرسالة على ترك التكليف السمعي، أو تأول الرسول بالعقل جمعا بين الأدلة.
وعن الثاني أن الفائدة عاجلة وهي زوال الخوف وآجلة وهي نيل الثواب بالمعرفة الذي لا يمكن الابتداء به في الحكمة.
وعن الثالث أن وجوب النظر وإن كان نظريا إلا أنه فطري القياس، فكان الإلزام عائدا على الأشاعرة دون المعتزلة.