أقول: اختلف الناس هاهنا، فذهب جماعة من العقلاء إلى جواز التناسخ (1) في النفوس بأن تنتقل النفس التي كانت مبدأ صورة لزيد مثلا إلى بدن عمرو وتصير مبدأ صورة له، ويكون بينهما من العلاقة كما كان بين البدن الأول وبينها.
وذهب أكثر العقلاء إلى بطلان هذا المذهب، والدليل عليه أنا قد بينا أن النفوس حادثة وعلة حدوثها قديمة فلا بد من حدوث استعداد وقت حدوثها ليتخصص ذلك الوقت بالايجاد فيه، والاستعداد أنما هو باعتبار القابل فإذا حدث وتم وجب حدوث النفس المتعلقة به، فإذا حدث بدن تعلقت به نفس تحدث عن مباديها، فإذا انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع النفسين لبدن واحد، وقد بينا بطلانه ووجوب التعادل في الأبدان والنفوس حتى لا توجد نفسان لبدن واحد وبالعكس.
المسألة الحادية عشرة في كيفية تعقل النفس وإدراكها (2) قال: وتعقل بذاتها وتدرك بالآلات للامتياز بين المختلفين وضعا من غير إسناد.
أقول: إعلم أن التعقل هو إدراك الكليات والادراك هو الاحساس بالأمور الجزئية، وقد ذهب جماعة من القدماء إلى أن النفس تعقل الأمور الكلية بذاتها من غير احتياج إلى آلة، وتدرك الأمور الجزئية بواسطة قوى جسمانية هي محال الادراك، والحكم الأول ظاهر فإنا نعلم قطعا أنا ندرك الأمور الكلية مع اختلال