على مثل هذا الظن، أن يثبت أن الشارع من هذا الأقل، إذ ليس أكثر العرب أكثر كلامهم إلا المعاني الحقيقية من اللغوية وغيرها، فليس المتجوز الأعم الأغلب من أفراد المتكلم، حتى يحمل من لا يعلم حاله عليه، ومن أين لنا إثبات هذا.
ثم ذكر أن الشارع ليس من هذا الأقل - لأن غرضه الأصلي تفهيم المعاني، لا فوائد المجاز، واستوضحه.
ثم قال: فظهر من مجموع هذا الكلام بطوله، أن العلة التي من أجلها يقدم الحقيقة على غيرها، ويظن أنها المراد، هي جعل المتكلم الأصل والقاعدة في كلامه إرادتها، وأنه لا يعدل عنها إلا لضرورة وداع ليسا موجودين هنا، ولهذا أشار المصنف (قدس سره) إلى منع إفادة هذا المرجحات الظن بالمراد، وبعد التسليم إلى منع اعتباره إذ الإجماع الذي هو الدليل - في الحقيقة - لم يثبت في غيرها. انتهى موضع الحاجة على ما حكي عنه.
وحاصل ما عن الماتن والشارح (قدس سرهما): أولا منع الصغرى ثم منع كبراها.
نقول: فيما ذكره الشارح أنظار، لا بأس بالإشارة إليها:
الأول تمثيله بتقديم أبناء الدنيا لما نحن فيه، إذ لا ريب أن ذلك لدواع نفسانية وأغراض دنيوية، بحيث لولاها، لما ارتكبوا ذلك أبدا، فحينئذ نقول:
إن تقديم المتكلم ذا المزية على غيره في مقام التكلم، إما فيما لا يختلف المعنى المقصود تفهيمه بسبب التقديم، أو فيما يختلف.
أما على الأول: كما في مثال (اسأل القرية) فالذي ذكره (قدس سره) ممنوع، بل يجب تقديم الراجح، لأن المتكلم العاقل الفصيح لا يعدل عن طريق الأفصح إلى غيره إلا لضرورة، فإذا فرضنا أن مراده لا يختل بإيراد المراد بأفصح الطريقين، فلا يعقل منه اختيار المرجوح، ولا يعقل هنا دواع نفسانية، توجب اختياره، كما فيما ذكره من المثال.
وأما على الثاني، فهو مسلم فإن الغرض الأصلي من إيراد الكلام تفهيم المعنى المراد، فلا يجوز اختيار الراجح، إذا كان اختياره مفوتا لغرض التفهيم، لكن هذا وارد على القوم، حيث اعتمدوا على الوجوه الآتية لعدم صلوحها، لكنها مرجحة لذيها على غيره، كما ذكرنا في المرحلة السابقة.