عند العالمين بالوضع، وعدم صحة السلب، فحينئذ كلما كان منشأ النقل مشاهدة هذا الأثر من العالمين بالوضع، فيكون الإخبار حسيا، وكلما لم يكن كذلك، بل كان مستندا إلى الاعتبارات الحدسية، فهو حدس، فغرضهم من اعتبار الشرط المذكور إنما هو ذلك.
وبعبارة أخرى أنه إن كان طريق تحمل النقل هو الخلط، والمباشرة مع أهل اللسان، وإن لم يكن الناقل منهم، كالفيروزآبادي، أو كونه منهم وعارفا باللغة، فيكون الإخبار حسيا، وإلا بان لم يكن منهم، ولا مخالطا معهم، بل كان طريق تحمله هو استخراجه، واجتهاده بواسطة القرائن الواصلة إليه، أو الاعتبارات، والمقايسات العقلية، فيكون الإخبار عن حدس، فلا يجوز التعويل عليه، فاندفع الإشكال الأول.
وأما الإشكال الثاني: فدفعه أنه إن كان الناقل من أهل الخبرة إما لكونه منهم، أو من المخالطين لهم، فالأصل في إخباره أن يكون مستندا إلى الحس، لأن احتمال كونه من اجتهاداته وحدسه ضعيف، لا يعتني به العقلاء في حقه.
وبالجملة إذا كان الناقل هكذا، فالعقلاء يحكمون عند الشك بكون إخباره عن جهة استناده إلى الآثار الحسية، ولا يعتنون باحتمال خلافه، سواء كان ذلك الناقل من العلماء أيضا أو لا.
وردهم قول أبي عبيدة بوجود الموهن لقوله بحيث يقوي فيه احتمال الخلاف.
وأما إذا كان ممن لم يعاشرهم كالعجمي الغير المخالط، فالأصل في إخباره أن يكون مستندا إلى حدسه، وتعويله على القرائن، لبعد احتمال معرفته اللغة التي ينقلها بالآثار الحسية المشاهدة من أهلها، فإن ذلك مما يتفق في حقه أحيانا.
ثم إن ما ذكرنا من اشتراط كون الإخبار عن حس في اللغات، يجري في غيرها من الموضوعات، كالشهادات في مقام المرافعات.
نعم لو شهد الشاهد مطلقا، ولم يعلم أن شهادته من باب الحدس، أو الحس فيحمل على الثاني، للأصل يعني الظاهر، فيحكم بمقتضى شهادته لذلك، أعني بسبب إحراز الشرط المذكور في حقه بالأصل.
ومن هنا ظهر ضعف ما تمسك به بعض على وجوب الأخذ بالشهادة العلمية، من اختلاف الأمور، وتضييع الحقوق، وتعطيل القضاء لولاه، إذ لا ريب أنه بعد البناء على إحراز الشرط المذكور بالأصل، فلا يلزم ما ذكره، ولو بنى على الأخذ بالشهادة العلمية، فلا ريب أنه يوجب تضييع الحقوق سيما في أمثال زماننا هذا.