المشاريع الدنيوية، ومهما حققت من أهداف قريبة، فهي لا تصلح وسائل عمل لمن يتقي الله تعالى ويريد الفوز برضوانه، ولا لمن يريد إرساء مبادئ رسالة إلهية في الأمة والعالم، ويعلم أجيالها على تطبيقاتها النظيفة.
وبما أن قضيته عليه السلام هي الغلبة الرسالية على خصومه وليست الدنيوية، وغلبة العقائد والقيم الإسلامية على مفاهيمهم المادية الجاهلية، فلا يصح أن يستعمل معهم وسائلهم التي يحاربها، ويدعو الأمة للابتعاد عنها!
كان يرى عليه السلام أنه وإن غلبه خصومه آنيا وانتصرت وصوليتهم القرشية على الإنسانية والنزاهة الإسلامية الهاشمية، فهو في الحقيقة المنتصر، لأنه بسلوكه وسياسته يتم الحجة على الأمة، ليحيى من حي عن بينه، ويعرف العالم وأجياله رسالة الإسلام وقيمه، حتى يأتي أمر الله تعالى! قال عليه السلام في خطبة له: (إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، ولا يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة! ما لهم قاتلهم الله! قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين). (نهج البلاغة: 1 / 92).
وقال عليه السلام: (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر! ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة! والله ما استغفل بالمكيدة، ولا أستغمز بالشديدة). (نهج البلاغة: 1 / 180).
وزيادة على هذا، فإن عليا وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله يرون أن الذي يستعمل أساليب غير مشروعة، لا عقل له، مهما كان داهية في الوصول إلى هدفه! فقد سأل رجل الإمام الصادق عليه السلام: ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان. قال قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء، تلك الشيطنة!