يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلما أن أتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله، ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه، لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها، والعاقبة التي كنت التمسها، وأن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أملت، وكان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوما أنا سادسهم، ولم يستوني بواحد منهم، ولا ذكر لي حالا في وراثة الرسول ولا قرابة ولا صهر ولا نسب، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي ولا أثر من آثاري، وصيرها شورى بيننا وصير ابنه فيها حاكما علينا، وأمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره، وكفى بالصبر على هذا يا أخا اليهود صبرا، فمكث القوم أيامهم كلها كل يخطب لنفسه وأنا ممسك، حتى سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي وأيامهم وآثاري وآثارهم، وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكرتهم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم، دعاهم حب الإمارة وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي والركون إلى الدنيا، والاقتداء بالماضين قبلهم، إلى تناول ما لم يجعل الله لهم، فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس مني شرطا أن أصيرها له بعدي! فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء والحمل على كتاب الله عز وجل ووصية الرسول صلى الله عليه وآله، وإعطاء كل امرئ منهم ما جعله الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له، أزالها عني إلى ابن عفان، طمعا في الشحيح معه فيها! وابن عفان رجل لم يستو به وبواحد ممن حضره حال قط، فضلا عمن دونهم، لا ببدر التي هي سنام فخرهم، ولاغيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله صلى الله عليه وآله، ومن اختصه معه من أهل بيته عليه السلام! ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه!
ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه، ومشى (يقصد