ولكن الله عز وجل نهى عن التزكية. فقالوا: يا أمير المؤمنين: صدقت والله، ولقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا صلى الله عليه وآله، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والأهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لأحد من المسلمين مثله يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا صلى الله عليه وآله ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا صلى الله عليه وآله فاحتملته وصبرت، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه، علما منا به وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك، كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه. فقال عليه السلام:
يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني بعد وفاة نبيه صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن، من غير تزكية لنفسي، بمنه ونعمته صبورا.
أما أولهن يا أخا اليهود، فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم إليه أو أتقرب به، غير رسول الله صلى الله عليه وآله، هو رباني صغيرا وبوأني كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب. وعال لي النفس والولد والأهل، هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحق عند الله عز وجل، فنزل بي من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والإسماع! وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت والانشغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة، ولا لاذع حرقة، ولا جزيل مصيبة، حتى أديت