وأما السادسة يا أخا اليهود، فتحكيمهم الحكمين ومحاربة ابن آكلة الأكباد، وهو طليق معاند لله عز وجل ولرسوله والمؤمنين، منذ بعث الله محمدا إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة، فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم، وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين، وجعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي، ويجدد لي بيعته كلما أتاني!
وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي وأقر في معدنه، وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا، وفي أمانة حملناها حاكما، كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطعمه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفيئ دون قسمه درهما، وحرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم ويطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه ومن خالفه ناواه، ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا، والأنباء تأتيني والأخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه منها، وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، لو وجدت عند الله عز وجل في توليتي له مخرجا، وأصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعملت الرأي في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله ولي وللمؤمنين، فإن رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته ويحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فوجهت إليه أخا بجيلة مرة وأخا الأشعريين مرة، كلاهما ركن إلى الدنيا وتابع هواه فيما أرضاه، فلما لم أره يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا، وشاورت من معي من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله البدريين والذين ارتضى الله عز وجل أمرهم ورضي عنهم بعد بيعتهم، وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين، فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته ومنعه مما نالت يده، وإني نهضت إليه بأصحابي، أنفذ إليه من كل موضع كتبي وأوجه إليه رسلي، أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه، والدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكم علي ويتمنى علي الأماني ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عز وجل