والرأي منكم الذين يحدثون فيصدقون ويقولون فيفعلون، وإني قد دعوتكم عودا وبدأ، وسرا وجهرا، وليلا ونهارا، فما يزيدكم دعائي إلا فرارا، ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلى الهدى والحكمة، أما والله إني لعالم بما يصلحكم، ولكن في ذلك فسادي، أمهلوني قليلا، فوالله لقد جاءكم من يحزنكم ويعذبكم ويعذبه الله بكم، إن من ذل الإسلام وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيجيبون، وأدعوكم وأنتم لا تصلحون فتراعون! هذا بسر قد صار إلى اليمن وقبلها إلى مكة والمدينة! فقام جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين! لا عدمنا الله قربك، ولا أرانا فراقك، فنعم الأدب أدبك، ونعم الإمام والله أنت، أنا لهؤلاء القوم فسرحني إليهم! قال: تجهز فإنك ما علمتك رجل في الشدة والرخاء، المبارك الميمون النقيبة، ثم قام وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا أنتدب يا أمير المؤمنين. قال: انتدب بارك الله عليك. فخرج جارية في ألفين ووهب ابن مسعود في ألفين وأمرهما علي أن يطلبا بسرا حيث كان حتى يلحقاه، فإذا اجتمعا فرأس الناس جارية، فخرج جارية من البصرة ووهب من الكوفة حتى التقيا بأرض الحجاز، ونفذ بسر من الطائف حتى قدم اليمن وقد تنحى عبيد الله بن عباس عن اليمن، واستخلف بها عبد الله بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه مالك بن عبد الله، وقد كان عبيد الله خلف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة قارظ الكنانية وهي أمهما، وخلف معها رجلا من كنانة، فلما انتهى بسر إليها دعا ابني عبيد الله ليقتلهما، فقام الكناني فانتضى سيفه وقال: والله لأقتلن دونهما فألاقي عذرا لي عند الله والناس فضارب بسيفه حتى قتل!
وخرجت نسوة من بني كنانة فقلن: يا بسر! هذا، الرجال يقتلون فما بال الولدان؟! والله ما كانت الجاهلية تقتلهم، والله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتل الصبيان ورفع الرحمة لسلطان سوء! فقال بسر: والله لقد هممت أن أضع فيكن السيف!