يعيش في آفاقه العليا!!
يقول عليه السلام: (فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه). (نهج البلاغة: 3 / 118).
وفي السنة التاسعة والثلاثين للهجرة بقي علي عليا، في سموه وقوته وحيويته، رغم أنه كان يرى أمة النبي صلى الله عليه وآله التي استجابت لمشروعه في إعادة النبوي، وخطت معه خطوات مهمة، يراها ضعفت عن همته، وأخلدت إلى الأرض، وتحولت بين يديه إلى تراب! وأبت أن تتحمل معه تعب سنة واحدة، فتزيح أصعب عقبة من طريقها، وتجتث أخبث شجرة حذرها منها الله ورسوله صلى الله عليه وآله، ولعنها الله في قرآنه، والرسول على منبره!
فمنذ رجع أمير المؤمنين عليه السلام من صفين مجبرا، ومنذ انكشفت للناس حيلة معاوية في التحكيم والتستر بالقرآن، ما زال يخطب ويبين، وينذر ويحذر، ويفيض عن لسان أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويظهر للأمة مكنون علمه وآياته، ويحثها على جهاد عدوها، الذي أمرها نبيها بجهاده، وأخبرها بأن أخوف ما يتخوفه عليها فتنة معاوية وبني أمية، الذين ستتجمع فيهم أخطار قريش واليهود والروم للقضاء على الإسلام، وكل ذلك باسم الإسلام وخلافة نبيه صلى الله عليه وآله!
* * كانت الأولوية في سياسة علي عليه السلام بعد حرب صفين، أن يكشف للأمة خطر