اختارهم من أصحابه، يشق أمامهم صفوف مئة وعشرين ألفا فيضرب بسيفه قدما ويمينا وشمالا يجدل الأبطال ويبري بسيفه الرماح! حتى ولوا فرارا وصاح الباقون منهم: (آمنا يا ابن أبي طالب)! فكف عنهم وأعطاهم الأمان على دمائهم وأموالهم، وما بقي من كرامتهم!
وكما تجد أفق علي عليه السلام وحيويته على السواء في حالتي خوفه وأمنه، كذلك تراه في فقره وغناه! فعلي الذي كان يجوع في شعب مكة فلا يجد القرص، ويضطر في المدينة لاقتراض صاع شعير من يهودي ليطعم زوجته وأولاده.. هو علي الذي صار يملك بساتين واسعة عديدة في المدينة وذي الحليفة وينبع، استبنط عيونها المتدفقة بعلمه ومعوله، وغرسها ورباها حتى اشتبكت أشجارها وأينعت ثمارها، فأوقفها في سبيل الله، وأطعم أولاده منها كما يأكل الفقراء!
وهو نفسه الذي صار حاكما لدولة مترامية الأطراف، فكان يقول لعماله حكام الولايات: (ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضئ بنور علمه. ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟!).
العجب من علي الذي كان مشغولا بمراسم دفن النبي صلى الله عليه وآله فرأى يد طلقاء قريش تخطف دولة الإسلام، ووجد نفسه معزولا مهددا بالقتل مع بقية عترة النبي صلى الله عليه وآله! كيف بقي نفسه عليا الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وعمل معه من صباه فكان عضده ووزيره فأرسى معه رسالة، وبنى أمة، وأسس دولة، ووهب لها كل وجوده وإخلاصه! فلم يتغير همه ولا همته بإقصائهم له، ولا اهتز عالمه الذي