بالنهي عن مقدماته لقصد المبالغة، ولذا لو قال السيد لعبده: " أعزم على هذا الأمر أولا تعزم عليه " فهم منه توجه الخطاب بالأمر أو النهي عن نفس الفعل دون العزم عليه بخصوصه، على أن الآية قد دلت على تحريم العزم، والمراد منه إما معناه الحقيقي وهو القصد والإرادة أو الفعل المعزوم عليه مجازا لكونه ملزوما للعزم، وعلى التقديرين يثبت المطلوب، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن تحريم العزم على النكاح يستلزم تحريم النكاح المعزوم عليه، فإنه لو كان جائزا لجاز العزم عليه قطعا، إذ لا حكم للعزم بالنظر إلى ذاته، وإنما يثبت له التحريم والجواز بواسطة ما أضيف إليه من الفعل المعزوم عليه، فإن كان محرما فالعزم حرام، وإلا فجائز، بل لا يعقل جواز الفعل مع تحريم العزم عليه، وحيث ثبت تحريم العزم بالآية ثبت تحريم العقد نفسه.
وربما وجه الاستدلال بها بمعلومية عدم إرادة النهي عن العزم نفسه، بل المراد منه النكاح، وذلك لإباحة العزم على النكاح بالاجماع، وبقوله تعالى (1) " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أو أكننتم في أنفسكم " فإن الأكنان في النفس بمعنى الاضمار فيه، وليس ذلك إلا العزم، مع أن رفع الجناح عن التعريض يستلزم إباحة العزم أيضا، لامتناع حصول التعريض بدونه، وفيه أن المعلوم من إباحة العزم على النكاح إنما هو العزم عليه فيما بعد العدة لا العزم عليه فيها، فإنه محرم لكونه عزما على محرم، فالاتفاق على إباحة العزم على النكاح بعد انقضاء العدة لا يقتضي حمل العزم على نفس الفعل، إذ يمكن حمله على معناه الحقيقي مع التقييد بالعدة، ومنه يعلم تقييد الأكنان بما بعد العدة، لأن العزم على القبيح قبيح، فيمتنع من الحكيم تجويزه، ولأن الحكم بالجواز على تقدير استفادته من الآية شرعي، ولا ريب في نفي الجواز الشرعي وإن لم يكن الجواز مستحيلا عند العقل، فإن التصريح بجواز العزم على النكاح في العدة مع تحريمه والمنع عنه مما يعد سفها وعبثا، وذلك محال على الله تعالى، ومن ذلك يعلم أن التعريض بالنكاح في العدة إنما يجوز لو كان القصد إلى إيقاعه بعدها،