والخاصي وفيه: العمد هو القود أو رضى ولي المقتول (1)، وأن فيه إسقاط بعض الحق فليس للجاني الامتناع منه كإبراء بعض الدين، وإن الرضا بالدية ذريعة إلى حفظ نفس الجاني الواجب عليه.
وفي الجميع نظر، لقصور الروايات سندا، بل ودلالة، إذ ليس فيها إلا الخيار بين الثلاثة في الجملة لا كلية حتى لو لم يرض الجاني بالدية لكان له الخيار في أخذها، وإنما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى هذه الصورة، فإن الغالب رضى الجاني بالدية مطلقا، سيما مع اختيار الولي لها، فإن النفس عزيزة، مع احتمالها الحمل على التقية، لكونها مذهب الشافعي وأحمد وجماعة من العامة، على ما حكاه عنهم بعض الأجلة، قال بعد نقل الخلاف عنهم: فأوجبوا الدية بالعفو وإن لم يرض الجاني (2).
ويضعف الثاني: بمنع كون قبول الدية إسقاط حق، بل معاوضة صرفة يحتاج إلى مراضاة الطرفين، كما لو أبرأ الدين أو بعضه بعوض من غير جنسه.
والثالث: بعد تسليمه لا يفيد ثبوت الخيار للولي وتسلطه على أخذ الدية من الجاني وإن كان بذلها واجبا عليه، فإن لكل تكليفا، وتكليف أحدهما وهو الجاني لا يغير حكم الآخر وهو الولي من حرمة تسلطه على صاحبه.
ولعله لذا إن الشهيدين في اللمعتين (3) مع اختيارهما المختار مالا إلى وجوب بذل الدية على الجاني مع قدرته عليه لو طلبها الولي، ولم ينسب ثانيهما إلى الإسكافي سوى هذا، ولكن عبارته المحكية صريحة فيما نسبه الأصحاب إليه، حتى هو في المسالك (4) مما قدمنا إليه الإشارة.