اللفظ والمعنى، غاية الأمر يلاحظ اللفظ آلة لملاحظة المعنى، والمعنى ملحوظ مستقلا. فلو استعمل لفظ واحد في معنيين يلزم لحاظ اللفظ مرتين؛ فيجتمع اللحاظان في زمان واحد.
والفرق بين التقريبين واضح؛ فإن لحاظ اللفظ تبعا لملاحظة المعنى عبارة عن اندكاك لحاظه في لحاظ المعنى، وهذا بخلاف لحاظ اللفظ آلة لملاحظة المعنى؛ فإنه يلحظ اللفظ مستقلا، كما يلحظ المعنى، غايته: أن لحاظه آلة وواسطة للحاظ المعنى.
وكيف كان: وجه استحالة الجمع بين اللحاظين هو أن الملحوظ بالذات في الذهن قبل الاستعمال هو المعنى، وبعد تصور المعنيين فالملحوظ بالذات اللفظ بوجوده الذهني.
والملحوظ بالذات يتشخص باللحاظ، كما أن اللحاظ يتعين بالملحوظ. نظير ما في الخارج؛ فإن الماهية في الخارج تتشخص بالوجود حقيقة، والوجود يتعين بالماهية عرضا.
وبالجملة: وزان الماهية الذهنية وزان الماهية الخارجية؛ فكما أن الماهية الخارجية تتشخص بالوجود فكذلك الماهية الذهنية تتشخص باللحاظ. فنفس اللحاظ توجد الشيء في الذهن، لا أن هناك شيئا تعلق به اللحاظ، فإذا اجتمع لحاظان في شئ واحد يلزم أن يكون شئ واحد شيئين. هذا في المعلوم بالذات.
وكذلك بالنسبة إلى المعلوم بالعرض؛ وذلك أن المعلوم بالعرض تابع للمعلوم بالذات في الانكشاف؛ فيلزم أن يكون الموجود الخارجي منكشفا بانكشافين:
أحدهما بلحاظ، والآخر بلحاظ آخر في آن واحد، وهو محال.
التقريب الثالث: هو أن استعمال اللفظ في المعنى إفناؤه فيه؛ فلو أفنى اللفظ في معنيين يلزم أن يكون شئ واحد موجودا بوجودين.