والغفلة منه في المراد بالترجيح هنا. فقال معترضا على القائل بما قدمنا - من أن ترجيح أحد المحتملين عين تعيينه بالاستدلال - بقوله:
إن هذا القائل خلط بين ترجيح الشئ وتعيينه ولم يعرف الفرق بينهما، ولبيان هذا المطلب نقدم مقدمة، ثم نجيب عن كلامه، وهي:
أنه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجح، فإنه مما يحكم بقبحه العقل والعرف والعادة، بل يقولون بامتناعه الذاتي كالترجح بلا مرجح، والمراد بالترجيح بلا مرجح هو سكون النفس إلى أحد الطرفين والميل إليه من غير مرجح وإن لم يحكم بتعيينه وجوبا، وأما الحكم بذلك فهو أمر آخر وراء ذلك. ثم أوضح ذلك بأمثلة:
منها: أنه لو دار أمر العبد في أحكام السلطان المرسلة إليه بين أمور، وكان بعضها مظنونا بظن لم يعلم حجيته من طرف السلطان، صح له ترجيح المظنون، ولا يجوز له الحكم بلزوم ذلك.
ومنها: أنه لو أقدم (1) إلى (2) أحد طعامان أحدهما ألذ من الآخر فاختاره عليه، لم يرتكب ترجيحا بلا مرجح، وإن لم يلزم أكل الألذ، ولكن لو حكم بلزوم الأكل لا بد من تحقق دليل عليه، ولا يكفي مجرد الألذية. نعم لو كان أحدهما مضرا صح الحكم باللزوم.
ثم قال:
وبالجملة: فالحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجح، فالمرجح غير الدليل، والأول يكون في مقام الميل والعمل، والثاني يكون في مقام