فلا تغتر حينئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصيل مقدمات استنباط المطالب الاعتقادية الأصولية والعملية عن الأدلة العقلية والنقلية، فيتركها بغضا لها، لأن الناس أعداء ما جهلوا، ويشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره وأوصاف حججه صلوات الله عليهم، ينظر (1) في الأخبار لا يعرف (2) من ألفاظها الفاعل من المفعول، فضلا عن معرفة الخاص من العام، وينظر (3) في المطالب العقلية لا يعرف به البديهيات منها، ويشتغل في خلال ذلك بالتشنيع على حملة الشريعة العملية والاستهزاء بهم بقصور الفهم وسوء النية، فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون.
هذا كله حال وجوب المعرفة مستقلا، وأما اعتبار ذلك في الإسلام أو الإيمان فلا دليل عليه، بل يدل على خلافه الأخبار الكثيرة المفسرة لمعنى الإسلام والإيمان.
ففي رواية محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، المروية في الكافي:
" إن الله عز وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أدخله الله الجنة بإقراره، وهو إيمان التصديق (4) "، فإن الظاهر أن حقيقة الإيمان التي يخرج الإنسان بها عن حد الكفر