خمسين بعد الاحصان وتضرب تأديبا غير محدود بعدد محصور وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الاحصان وإن أراد نفيه فيكون مذهبا بالتأويل. وإلا فهو كالقول الثاني القول الآخر أنها تجلد قبل الاحصان مائة وبعده خمسين كما هو المشهور عن داود وهو أضعف الأقوال أنها تجلد قبل الاحصان خمسين وترجم بعده وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وقوله تعالى " ذلك لمن خشي العنت منكم " أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا وشق عليه الصبر عن الجماع وعنت بسبب ذلك كله فله حينئذ أن يتزوج بالأمة وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج غريبا فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي ولهذا قال " وإن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم " ومن هذه الآية الكريمة استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الامرين فقالوا متى لم يكن الرجل مزوجا بحرة جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضا سواء كان واجدا لطول حرة أم لا وسواء خاف العنت أم لا وعمدتهم فيما ذهبوا إليه قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " أي العفائف وهو يعم الحرائر والإماء وهذه الآية عامة وهذه أيضا ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور والله أعلم.
يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم (26) والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما (27) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا (28) يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم بما تقدم وذكره في هذه السورة وغيرها " ويهديكم سنن الذين من قبلكم " يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها " ويتوب عليكم " أي من الاثم والمحارم " والله عليم حكيم " أي في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله وقوله " ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما " أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلا عظيما " يريد الله أن يخفف عنكم " أي في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم ولهذا أباح الإماء بشروط كما قال مجاهد وغيره " وخلق الانسان ضعيفا " فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه " وخلق الانسان ضعيفا " أي في أمر النساء وقال وكيع يذهب عقله عندهن وقال موسى الكليم عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء حين مر عليه راجعا من عند سدرة المنتهى فقال له: ماذا فرض عليكم فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة فقال له ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا وإن أمتك أضعف أسماعا وأبصارا وقلوبا فرجع فوضع عشرا ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمسا الحديث.
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (30) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (31) ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما