إقامة الحد على الإماء فقدمناها على مفهوم الآية. فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا الحد على إمائكم من أحصن منهن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أحسنت اتركها حتى تتماثل " وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه " فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين " وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " ولمسلم " إذا زنت ثلاثا فليبعها في الرابعة " وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا من ولائد الامارة خمسين خمسين من الزنا.
" الجواب الثاني " جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها وإنما تضرب تأديبا وهو المحكي عن ابن عباس رضي الله عنه وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي الظاهري في رواية عنه وعمدتهم مفهوم الآية وهو من مفاهيم الشرط وهو حجة عند أكثرهم فقدم على العموم عندهم. وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال " إن زنت فحدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير " قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة أخرجاه في الصحيحين. وعند مسلم قال ابن شهاب: الضفير الحبل. قالوا: فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك والله أعلم - وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس على أمة حد حتى تحصن - يعني تزوج - فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات " وقد رواه ابن خزيمة عن عبد الله بن عمران العابدي عن سفيان به مرفوعا وقال: رفعه خطأ إنما هو من قول ابن عباس وكذا رواه ابن خزيمة عن عبد الله بن عمران وقال: مثل ما قاله ابن خزيمة قالوا: وحديث علي وعمر قضايا أعيان وحديث أبي هريرة عنه أجوبة " أحدها " أن ذلك محمول على الأمة المزوجة جمعا بينه وبين هذا الحديث " الثاني " أن لفظة الحد في قوله " فليقم عليها الحد " مقحمة من بعض الرواة بدليل الجواب الثالث وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد وأيضا فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه وكان قد شهد بدرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا زنت الأمة فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير " " الرابع " أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظ الحد في الحديث على الجلد لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد أو أنه أطلق لفظة الحد على التأديب كما أطلق الحد على ضرب من زنا من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ وعلى جلد من زنا بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة ورجم الثيب أو اللائط والله أعلم. وقد روى ابن ماجة وابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج وهذا إسناد صحيح عنه ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلا لا حدا وكأنه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث وإن أراد أنها لا تضرب حدا ولا ينفي ضربها تأديبا فهو كقول ابن عباس رضي الله عنه ومن تبعه في ذلك والله أعلم. " الجواب الثالث " أن الآية دلت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة فأما قبل الاحصان فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة كقوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وكحديث عبادة بن الصامت " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا