ليدل على البعير وإن أثر الاقدام لتدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج. وبحار ذات أمواج؟
ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟.
وحكى الرازي عن الامام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات، وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها وهي مع ذلك تذهب وتجئ وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد. فقالوا هذا شئ لا يقوله عاقل. فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع. فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه، وعن الشافعي أنه سئل عن وجود الصانع، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم وتأكله النحل فيخرج منه العسل وتأكله الشاة والبقر والانعام فتلقيه بعرا وروثا وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهو شئ واحد، وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال: ههنا حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الأبريز فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة، وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد:
تأمل في نبات الأرض وانظر * إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات * بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات * بأن الله ليس له شريك وقال ابن المعتز: فيا عجبا كيف يعصى الاله * أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد وقال آخرون من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة ومن الثوابت وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة، ولها في أنفسها سير يخصها، ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال تعالى " ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء " وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر للمنافع وما ذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييج والاشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء استدل على وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه عليه توكلت وإليه أنيب، والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جدا.
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وأدعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24) ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو فقال مخاطبا للكافرين " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا " يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، فأتوا بسورة من مثل ما جاء به إن زعمتم أنه من عند غير الله فعارضوه بمثل ما جاء به واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله فإنكم لا تستطيعون ذلك، قال ابن عباس شهداءكم أعوانكم، وقال السدي عن أبي مالك شركاءكم أي قوما آخرين يساعدونكم على ذلك، أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم، وقال مجاهد وادعوا شهداءكم، قال ناس يشهدون به يعني حكام الفصحاء