لأهلها. قال: وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل مؤذ في النار " وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف. ثم قال القرطبي وقد فسر بمعنيين أحدهما أن كل من آذى النار دخل النار والآخر أن كل ما يؤذي في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك.
وقوله تعالى " أعدت للكافرين " الأظهر أن الضمير في أعدت عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة ويحتمل عوده على الحجارة كما قال ابن مسعود ولا منافاة بين القولين في المعنى لأنهما متلازمان وأعدت أي أرصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله، كما قال ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس " أعدت للكافرين " أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله تعالى " أعدت " أي أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها " تحاجت الجنة والنار " ومنها " استأذنت النار ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف " وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها " وهو عند مسلم وحديث صلاة الكسوف وليلة الاسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس.
" تنبيه ينبغي الوقوف عليه " قوله تعالى " فأتوا بسورة من مثله " وقوله في سورة يونس " بسورة مثله " يعم كل سورة في القرآن طويلة كانت أو قصيرة لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم كما هي في سياق النفي عند المحققين من الأصوليين كما هو مقرر في موضعه. فالاعجاز حاصل في طوال السور وقصارها وهذا لا أعلم فيه نزاعا بين الناس سلفا وخلفا. وقد قال الرازي في تفسيره: فإن قيل قوله تعالى " فأتوا بسورة من مثله " يتناول سورة الكوثر وسورة العصر وقل يا أيها الكافرون ونحن نعلم بالضرورة أن الاتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكن، فإن قلتم إن الاتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدار البشر كان مكابرة والاقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة إلى الدين " قلنا " فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني وقلنا إن بلغت هذه السورة في الفصاحة حد الاعجاز فقد حصل المقصود وإن لم يكن كذلك كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى توهين أمره معجزا فعلى التقديرين يحصل المعجز هذا لفظه بحروفه والصواب أن كل سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة، قال الشافعي رحمه الله لو تدبر الناس هذه السور لكفتهم " والعصر * إن الانسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين فقال له عمرو لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي فقال " والعصر * إن الانسان لفي خسر " ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل علي مثلها فقال: وما هو؟ فقال: يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حقر فقر ثم قال كيف ترى يا عمرو فقال له عمرو والله إنك لتعلم أني لاعلم أنك تكذب.
وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25) لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال عطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح