الجنس من يفعل ذلك وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص أو بما فهموه من الطبيعة البشرية فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمأ مسنون أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم قاله القرطبي أو أنهم قاسوهم على من سبق كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك، وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه، وههنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقا قال قتادة وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها، فقالوا " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " الآية، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي نصلي لك كما سيأتي. أي ولا يصدر منا شئ من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال " إني أعلم ما لا تعلمون " أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم، وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده يسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون. وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر فيمكث هؤلاء ويصعد أولئك بالاعمال كما قال عليه الصلاة والسلام " يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل " فقولهم أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون من تفسير قوله لهم " إني أعلم ما لا تعلمون "، وقيل معنى قوله جوابا لهم " إني أعلم ما لا تعلمون " إني لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تعلمونها، وقيل إنه جواب " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " فقال " إني أعلم ما لا تعلمون " أي من وجود إبليس بينكم وليس هو كما وصفتم أنفسكم به. وقيل بل تضمن قولهم " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " طلبا منهم أن يسكنوا الأرض بدل بني آدم فقال الله تعالى لهم " إني أعلم ما لا تعلمون " من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة والله أعلم.
" ذكر أقوال المفسرين ببسط ما ذكرناه " قال ابن جرير: حدثني القاسم بن الحسن حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالوا: قال الله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قال لهم إني فاعل هذا، ومعناه أنه أخبرهم بذلك، وقال السدي استشار الملائكة في خلق آدم رواه ابن أبي حاتم وقال، وروى عن قتادة نحوه وهذه العبارة إن لم ترجع إلى معنى الاخبار ففيها تساهل وعبارة الحسن وقتادة في رواية ابن جرير أحسن والله أعلم " في الأرض " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " دحيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة، فقال الله إني جاعل في الأرض خليفة يعني مكة " وهذا مرسل وفي سنده ضعف وفيه مدرج وهو أن المراد بالأرض مكة والله أعلم فإن الظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك " خليفة " قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة إن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا: ربنا وما يكون ذاك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. قال ابن جرير فكان تأويل الآية على هذا إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه