بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية بما يخلص به من القتل والسبي والعذاب العاجل وهو لغير ما أظهره مستبطن وذلك من فعله وإن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع، لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها، ويسقيها كأس سرورها، وهو موردها حياض عطبها، ومجرعها به كأس عذابها، ومزبرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به، فذلك خديعته نفسه ظنا منه مع إساءته إليها في أمر معادها أنه إليها محسن كما قال تعالى " وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " إعلاما منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربهم بكفرهم وشركهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين، ولكنهم على عمى من أمرهم مقيمين.
وقال ابن أبي حاتم أنبأنا علي بن المبارك فيما كتب إلي، حدثنا زيد بن المبارك حدثنا محمد بن نور عن ابن جريج في قوله تعالى يخادعون الله قال يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك. وقال سعيد عن قتادة " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون " نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله يصبح على حال ويمسي على غيره ويمسي على حال ويصبح على غيره ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها.
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية " في قلوبهم مرض " قال شك فزادهم الله مرضا قال شكا. وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال شك. وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة. وعن عكرمة وطاوس في قلوبهم مرض يعني الرياء.
وقال الضحاك عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال نفاق فزادهم الله مرضا قال نفاقا، وهذا كالأول. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قلوبهم مرض قال هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون والمرض الشك الذي دخلهم في الاسلام فزادهم الله مرضا قال زادهم رجسا، وقرأ " فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ". قال شرا إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم، وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن وهو الجزاء من جنس العمل وكذلك قاله الأولون وهو نظير قوله تعالى أيضا " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " وقوله " بما كانوا يكذبون " وقرئ يكذبون وقد كانوا متصفين بهذا وهذا فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا. وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه " أكره أن يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه " ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الاعراب عن الدخول في الاسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون إن محمدا يقتل أصحابه.
قال القرطبي وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة مع علمه بسوء اعتقادهم. قال ابن عطية وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وعن ابن الماجشون. ومنها: ما قال مالك إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لامته أن الحاكم لا يحكم بعلمه، قال القرطبي: وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه وإن اختلفوا في سائر الأحكام قال: ومنها ما قال الشافعي إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الاسلام مع العلم بنفاقهم لان ما يظهرونه يجب ما قبله. ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما " أمرت أن أقاتل الناس