جماعة من اليهود فقال لهم " إني لاعلم والله إنكم لتعلمون أنى رسول الله " فقالوا ما نعلم ذلك. فأنزل الله عز وجل " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه " الآية.
وقوله " إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا " أي كفروا في أنفسهم فلم يتبعوا الحق وسعوا في صد الناس عن اتباعه والاقتداء به قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه وبعدوا منه بعدا عظيما شاسعا ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمة وانتهاك محارمه بأنه لا يغفر لهم " ولا يهديهم طريقا " أي سبيلا إلى الخير " إلا طريق جهنم " وهذا استثناء منقطع " خالدين فيها أبدا " الآية ثم قال تعالى " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم " أي قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه يكن خيرا لكم ثم قال " وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض " أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم ولا يتضرر بكفرانكم كما قال تعالى " وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد " وقال ههنا " وكان الله عليما " أي بمن يستحق منكم الهداية فيهديه وبمن يستحق الغواية فيغويه " حكيما " أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (171) ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والاطراء وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه. بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادا أو صحيحا أو كذبا ولهذا قال الله تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " الآية.
وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم قال زعم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " ثم رواه هو وعلي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري كذلك ولفظه " إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " وقال علي بن المديني هذا حديث صحيح مسند وهكذا رواه البخاري عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن الزهري به ولفظه " فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رجلا قال يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل " تفرد به من هذا الوجه. وقوله تعالى " ولا تقولوا على الله إلا الحق " أي لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا وتنزه وتقدس وتوحد في سؤدده وكبريائه وعظمته فلا إله إلا هو ولا رب سواه ولهذا قال " إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " أي إنما هو عبد من عباد الله وخلق من خلقه قال له كن فكان ورسول من رسله وكلمته ألقاها إلى مريم أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم فنفخ فيها من روحه بإذن ربه عز وجل فكان عيسى بإذنه عز وجل وكانت تلك النقخة التي نفخها في جيب درعها فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والام والجميع مخلوق لله عز وجل ولهذا قيل لعيسى إنه كلمة الله وروح منه لأنه لم يكن له أب تولد منه وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له