الأطعمة كانت حلالا لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون " أي إنما حرمنا عليهم ذلك لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه ولهذا قال " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " أي صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء وكذبوا عيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهما، وقوله " وأخذهم الربا وقد نهوا عنه " أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه وأكلوا أموال الناس بالباطل قال تعالى " وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما " ثم قال تعالى " لكن الراسخون في العلم منهم " أي الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع. وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران " والمؤمنون " عطف على الراسخين وخبره " يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " قال ابن عباس: أنزلت في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيه وأسد بن سعيه وأسد بن عبيد الذين دخلوا في الاسلام وصدقوا بما أرسل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم وقوله " والمقيمين الصلاة " هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة وكذا هو في مصحف أبي بن كعب وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود والمقيمون الصلاة قال: والصحيح قراءة الجميع ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم هو منصوب على المدح كما جاء في قوله " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس " قال: وهذا سائغ في كلام العرب كما قال الشاعر:
لا يبعد قومي الذين همو * أسد العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر وقال آخرون: هو مخفوض عطفا على قوله " بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " يعني وبالمقيمين الصلاة وكأنه يقول وبإقامة الصلاة أي يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة وهذا اختيار ابن جرير يعني يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة وفي هذا نظر والله أعلم. وقوله " والمؤتون الزكاة " يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال ويحتمل زكاة النفوس ويحتمل الامرين والله أعلم " والمؤمنون بالله واليوم الآخر " أي يصدقون بأنه لا إله إلا الله ويؤمنون بالبعث بعد الموت والجزاء على الأعمال خيرها وشرها.
وقوله " أولئك " هو الخبر عما تقدم " سنؤتيهم أجرا عظيما " يعني الجنة.
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داوود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165) قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال سكن وعدي بن زيد يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شئ بعد موسى فأنزل الله في ذلك من قولهما " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات وقال ابن جرير حدثنا الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال أنزل الله " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " قال فلما تلاها عليهم يعني على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شئ ولا موسى ولا عيسى ولا على نبي من شئ قال فحل حبوته فقال