النسطورية وكل هذه الفرق تثبت الأقانيم الثلاثة في المسيح ويختلفون في كيفية ذلك وفي اللاهوت والناسوت على زعمهم هل اتحدا أو ما اتحدا أو امتزجا أو حل فيه على ثلاث مقالات وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى ونحن نكفر الثلاثة ولهذا قال تعالى " انتهوا خيرا لكم " أي يكن خيرا لكم " إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد " أي تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا " له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا " أي الجميع ملكه وخلقه وجميع ما فيهما عبيده وهم تحت تدبيره وتصريفه وهو وكيل على كل شئ فكيف يكون له منهم صاحبة وولد كما قال في الآية الأخرى " بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد " الآية. وقال تعالى " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا - إلى قوله - فردا ".
لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا (172) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (173) قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قوله " لن يستنكف " لن يستكبر. وقال قتادة: لن يحتشم " المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون " وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال " ولا الملائكة المقربون " وليس له في ذلك دلالة لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح لان الاستنكاف هو الامتناع والملائكة أقدر على ذلك من المسيح فلهذا قال " ولا الملائكة المقربون " ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل وقيل إنما ذكروا لأنهم اتخذوا آلهة مع الله كما اتخذ المسيح فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده وخلق من خلقه كما قال الله تعالى " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " الآيات. ولهذا قال " ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا " أي فيجمعهم إليه يوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه ولا يحيف. ولهذا قال " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن سفيان عن عبد الله مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " أجورهم قال " أدخلهم الجنة " ويزيدهم من فضله " قال " الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم " وهذا إسناد لا يثبت. وإذا روى عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد " وأما الذين استنكفوا واستكبروا " أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك " فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " كقوله " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما (175) يقول تعالى مخاطبا جميع الناس ومخبرا بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة