لحديث ابن عباس المتقدم. وبه قال أحمد بن حنبل قال المنذري في الحواشي وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد وإليه ذهب طاوس والضحاك وقد حكى أبو عصام العبادي عن محمد بن نصر المروزي أنه يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف وإليه ذهب ابن حزم أيضا وقال إسحاق بن راهويه: أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة تومئ بها إيماء. فإن لم تقدر فسجدة واحدة لأنها ذكر الله وقال آخرون يكفي تكبيرة واحدة فلعله أراد ركعة واحدة كما قاله الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه وبه قال جابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وكعب وغير واحد من الصحابة والسدي ورواه ابن جرير ولكن الذين حكوه إنما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة كما هو مذهب إسحاق بن راهويه وإليه ذهب الأمير عبد الوهاب بن بخت المكي حتى قال: فإن لم يقدر على التكبيرة فلا يتركها في نفسه يعني بالنية رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش عن شعيب بن دينار عنه فالله أعلم. ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الظهر والعصر فصلاهما بعد الغروب ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء وكما قال بعدها يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق فقال منهم قائلون: لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير ولم يرد منا تأخر الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق وأخر آخرون منهم صلاة العصر فصلوها في بني قريظة بعد الغروب ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الفريقين وقد تكلمنا على هذا في كتاب السيرة وبينا أن الذين صلوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحق في نفس الامر وإن كان الآخرون معذورين أيضا والحجة ههنا في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة اليهود. وأما الجمهور فقالوا هذا كله منسوخ بصلاة الخوف فإنها لم تكن نزلت بعد فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك وهذا أبين في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الشافعي رحمه الله وأهل السنن ولكن يشكل عليه ما حكاه البخاري في صحيحه حيث قال " باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو " قال الأوزاعي إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه فإن لم يقدروا على الايماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا فلا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا وبه قال مكحول وقال أنس بن مالك:
حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها انتهى ما ذكره ثم أتبعه بحديث تأخير الصلاة يوم الأحزاب ثم بحديث أمره إياهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وكأنه المختار لذلك والله أعلم. ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنه يشتهر غالبا ولكن كان ذلك في إمارة عمر بن الخطاب ولم ينقل أنه أنكر عليهم ولا أحد من الصحابة والله أعلم قال هؤلاء وقد كانت صلاه الخوف مشروعة في الخندق لان غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي ومحمد بن سعد كاتبه وخليفة بن الخياط وغيرهم وقال البخاري وغيره كانت ذات الرقاع بعد الخندق لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر والله أعلم. والعجب كل العجب أن المزني وأبا يوسف القاضي وإبراهيم بن إسماعيل بن علية ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره عليه الصلاة والسلام يوم الخندق وهذا غريب جدا وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب والله أعلم فقوله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " أي إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف وهذه حالة غير الأولى فإن تلك قصرها إلى ركعة كما دل عليه الحديث - فرادى ورجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد