النبي صلى الله عليه وسلم لقوله " وإذا كنت فيهم " فبعده تفوت هذه الصفة فإنه استدلال ضعيف ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجوا بقوله " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " قالوا فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلى الله عليه وسلم إلى أحد بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه ولا ندفعها إلا إلى من صلاته أي دعاؤه سكن لنا ومع هذا رد عليهم الصحابة وأبوا عليهم هذا الاستدلال وأجبروهم على أداء الزكاة وقاتلوا من منعها منهم ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها قال ابن جرير حدثني ابن المثنى حدثني إسحق حدثنا عبد الله بن هاشم أنبأنا سيف عن أبي روق عن أبي أيوب عن علي رضي الله عنه قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله عز وجل " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها في أثرها قال فأنزل الله عز وجل بين الصلاتين " إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " الآيتين فنزلت صلاة الخوف وهذا سياق غريب جدا ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت رضي الله عنه عند الإمام أحمد وأهل السنن فقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم قال فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " قال فحضرت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح قال: فصفنا خلفه صفين قال: ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ثم انصرف. قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم. ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن منصور به نحوه وهكذا رواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد والنسائي من حديث شعبة وعبد العزيز بن عبد الصمد كلهم عن منصور به وهذا إسناد صحيح وله شواهد كثيرة فمن ذلك ما رواه البخاري حيث قال: حدثنا حياة بن شريح حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في الصلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا. وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سليمان بن قيس اليشكري أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة أي يوم أنزل أو أي يوم هو فقال جابر: انطلقنا نتلقى عيرا لقريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخلة جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل تخافني قال " لا " قال فمن يمنعك مني قال " الله يمنعني منك " قال: فسل السيف ثم تهدده وأوعده ثم نادى بالترحل وأخذ السلاح ثم نودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من القوم وطائفة أخرى تحرسهم فصلى بالذين يلونه ركعتين ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين فيومئذ أنزل الله في إقصار الصلاة وأمر المؤمنين بأخذ السلاح. ورواه الإمام أحمد فقال: حدثنا شريح حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس اليشكري عن جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب حفصة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني قال " الله " فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ومن يمنعك مني " قال: كن
(٥٦١)