فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة: جاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلاما ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئا آخر ثم لام بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء والبصيرة النافذة وبالله المستعان.
ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه " قلت " وإنما أدخل كثيرا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لان السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه ولهذا جاء في الحديث " إن من البيان لسحرا " وسمي السحور لكونه يقع خفيا آخر الليل والسحر الرئة وهي محل الغذاء وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره أي انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري وقال تعالى " سحروا أعين الناس " أي أخفوا عنهم عملهم والله أعلم.
وقال أبو عبد الله القرطبي: وعندنا أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافا للمعتزلة وأبي إسحق الأسفرايني من الشافعية حيث قالوا: إنه تمويه وتخييل. قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة والشعوذي البريد لخفة سيره قال ابن فارس: وليست هذه الكلمة من كلام أهل البادية قال القرطبي: ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى وفد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك قال: وقوله عليه السلام " إن من البيان لسحرا " يحتمل أن يكون مدحا كما تقوله طائفة ويحتمل أن يكون ذما للبلاغة قال: وهذا أصح قال: لأنها تصوب الباطل حتى توهم السامع أنه حق كما قال عليه الصلاة والسلام " فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له " الحديث. " فصل " وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة رحمه الله في كتابه " الاشراف على مذاهب الاشراف " بابا في السحر فقال: أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر ومن تعلمه معتقدا جوازه أو أنه ينفعه كفر وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر.
وقال الشافعي رحمه الله إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر. قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد نعم وقال الشافعي وأبو حنيفة لا فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين وإذا قتل فإنه يقتل حدا عندهم إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصا قال:
وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل يعني لقصة لبيد بن الأعصم واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل والله أعلم. وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي قال قرأ على أبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عمر بن هارون أخبرنا يونس عن الزهري قال: يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله أنه قال في الذمي يقتل إن قتل سحره وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل والثانية أنه يقتل وإن أسلم وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفرا كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " لكن قال مالك إذا ظهر عليه لم