حاتم. وقال قتادة: كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا إنما نحن فتنة أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر. وقال السدي: إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة فإذا أبى قالا له: ائت هذا الرماد فبل عليه فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء وذلك الايمان وأقبل شئ أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شئ وذلك غضب الله فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر فذلك قول الله تعالى " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " الآية. وقال سعيد عن حجاج عن ابن جريج في هذه الآية لا يجترئ على السحر إلا كافر وأما الفتنة فهي المحنة والاختبار ومنه قول الشاعر:
وقد فتن الناس في دينهم * وخلى ابن عفان شرا طويلا وكذلك قوله تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام حيث قال " إن هي إلا فتنتك " أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك " تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء " وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر واستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عبد الله قال: " من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - " وهذا إسناد صحيح وله شواهد أخر وقوله تعالى " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف وهذا من صنيع الشياطين كما رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال " إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة يجئ أحدهم فيقول:
ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئا ويجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال: فيقربه يدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت " وسبب التفرق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق أو نحو ذلك أو عقد أو بغضه أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة والمرء عبارة عن الرجل وتأنيثه امرأة ويثنى كل منهما ولا يجمعان والله أعلم.
وقوله تعالى " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " قال سفيان الثوري إلا بقضاء الله وقال محمد بن إسحاق إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد وقال الحسن البصري " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " قال نعم من شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشأ الله لم يسلط ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله كما قال الله تعالى وفي رواية عن الحسن أنه قال لا يضر هذا السحر إلا من دخل فيه وقوله تعالى " ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم " أي يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق " أي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن فعل فعلهم ذلك أنه ما له في الآخرة من خلاق قال ابن عباس ومجاهد والسدي من نصيب وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ما له في الآخرة من جهة عند الله وقال عبد الرزاق وقال الحسن ليس له دين وقال سعد عن قتادة " ما له في الآخرة من خلاق " قال ولقد علم أهل الكتاب فيما عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة وقوله تعالى " ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ". " ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون " يقال تعالى " ولبئس " البديل ما استبدلوا به من السحر عوضا عن الايمان ومتابعة الرسول لو كان لهم علم بما وعظوا به " ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير " أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم لكان مثوبة الله على ذلك خيرا لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به كما قال تعالى " وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ".
وقد استدل بقوله " ولو أنهم آمنوا واتقوا " من ذهب إلى تكفير الساحر كما هو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من السلف وقيل بل لا يكفر ولكن حده ضرب عنقه لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل قالا: أخبرنا سفيان هو ابن