المؤمنون بل كان نبيا مؤمنا. فلما بعث الله النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - وذكر داود وسليمان فقالت اليهود انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع الأنبياء إنما كان ساحرا يركب الريح فأنزل الله تعالى " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان " الآية وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت عمران بن جرير عن أبي مجلز قال أخذ سليمان عليه السلام من كل دابة عهدا فإذا أصيب رجل فسأله بذلك العهد خلى عنه فزاد الناس السجع والسحر فقالوا هذا يعمل به سليمان بن داود عليهما السلام فقال الله تعالى " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر " وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا عصام بن رواد حدثنا آدم حدثنا المسعودي عن زياد مولى ابن مصعب عن الحسن " واتبعوا ما تتلو الشياطين " قال ثلث الشعر وثلث السحر وثلث الكهانة وقال حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان " وتبعته اليهود على ملكه وكان السحر قبل ذلك في الأرض لم يزل بها ولكنه إنما اتبع على ملك سليمان فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام ولا يخفى ملخص القصة والجمع بين أطرافها وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفهم والله الهادي. وقوله تعالى " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان " أي واتبعت اليهود الذين أوتوا الكتاب من بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم ومخالفتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تتلوه الشياطين أي ما ترويه وتخبر به وتحدثه الشياطين على ملك سليمان وعداه بعلى لأنه تضمن تتلو تكذب وقال ابن جرير " على " ههنا بمعنى في أن تتلو في ملك سليمان ونقله عن ابن جريج وابن إسحق " قلت " والتضمن أحسن وأولى والله أعلم.
وقول الحسن البصري رحمه الله وكان السحر قبل زمان سليمان بن داود - صحيح لا شك فيه لان السحرة كانوا في زمان موسى عليه السلام وسليمان بن داود بعده كما قال تعالى " ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى " الآية ثم ذكر القصة بعدها وفيها " وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة " وقال قوم صالح وهم قبل إبراهيم الخليل عليه السلام لنبيهم صالح إنما " أنت من المسحرين " أي المسحورين على المشهور قوله تعالى " وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " فيتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه " اختلف الناس في هذا المقام فذهب بعضهم إلى أن " ما " نافية أعني التي في قوله " وما أنزل على الملكين " قال القرطبي ما نافية ومعطوف في قوله " وما كفر سليمان " ثم قال " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين " وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله وجعل قوله " هاروت وماروت " بدلا من الشياطين قال وصح ذلك إما لان الجمع يطلق على الاثنين كما في قوله تعالى " فإن كان له إخوة " أو لكونهما لهما أتباع أو ذكرا من بينهم لتمردهما تقدير الكلام عنده:
يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت. ثم قال وهذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ولا يلتفت إلى ما سواه وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله " وما أنزل على الملكين ببابل " الآية يقول لم ينزل الله السحر وبإسناده عن الربيع بن أنس في قوله " وما أنزل على الملكين " قال: ما أنزل الله عليهما السحر.
قال ابن جرير فتأويل الآية على هذا " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان " من السحر وما كفر سليمان ولا أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فيكون قوله " ببابل هاروت وماروت " من المؤخر الذي معناه المقدم. قال: فإن قال لنا قائل كيف وجه تقديم ذلك قيل وجه تقديمه أن يقال " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان " من السحر وما كفر سليمان وما أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل وهاروت وماروت فيكون معنيا بالملكين جبريل وميكائيل عليهما السلام لان سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود فأكذبهم الله بذلك وأخبر نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر وبرأ سليمان عليه السلام مما نحلوه من السحر وأخبرهم أن السحر عن عمل الشياطين وأنها تعلم الناس ذلك ببابل وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان اسم