التنور فبولي فيه فذهبت فاقشعررت وخفت ثم رجعت إليهما وقلت: قد فعلت فقالا: فما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئا فقالا: كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك فأرببت وأبيت فقالا: اذهبي إلى التنور فبولي فيه فذهبت إليه فبلت فيه فرأيت فارسا مقنعا بحديد خرج مني فذهب في السماء وغاب حتى ما أراه فجئتهما فقلت: قد فعلت فقالا: فما رأيت؟ قلت: رأيت فارسا مقنعا خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه فقالا:
صدقت ذلك إيمانك خرج منك. اذهبي فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئا وما قالا لي شيئا فقالت: بلى لم تريدي شيئا إلا كان خذي هذا القمح فابذري فبذرت وقلت: اطلعي فأطلع وقلت: احقلي فأحقلت ثم قلت: افركي فأفركت ثم قلت: أيبيسي فأيبست ثم قلت: اطحني فأطحنت ثم قلت: اخبزي فأخبزت فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئا ولا أفعله أبدا ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن سليمان به مطولا كما تقدم وزاد بعد قولها ولا أفعله أبدا فسألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حداثة وفاة رسول الله وهم يومئذ متوافرون فما دروا ما يقولون لها وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلمه إلا أنه قد قال لها ابن عباس أو بعض من كان عنده لو كان أبواك حيين أو أحدهما. قال هشام: فلو جاءتنا أفتيناها بالضمان. قال ابن أبي الزناد: وكان هشام يقول: إنهم كانوا أهل الورع والخشية من الله ثم يقول هشام: لو جاءتنا مثلها اليوم لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير علم. فهذا إسناد جيد إلى عائشة رضي الله عنها.
وقد استدل بهذا الأثر من ذهب إلى أن الساحر له تمكن في قلب الأعيان لأن هذه المرأة بذرت واستغلت في الحال.
وقال آخرون: بل ليس له قدرة إلا على التخييل كما قال تعالى " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " وقال تعالى " يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " واستدل به على أن بابل المذكورة في القرآن هي بابل العراق لا بابل ديناوند كما قاله السدي وغيره ثم الدليل على أنها بابل العراق ما قال ابن أبي حاتم أخبرنا علي بن الحسين أخبرنا أحمد بن صالح حدثني ابن وهب حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مر ببابل وهو يسير فجاء المؤذن يؤذنه بصلاة العصر فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ قال: إن حبيبي - صلى الله عليه وسلم - نهاني أن أصلي بأرض المقبرة ونهاني أن أصلي ببابل فإنها ملعونة. وقال أبو داود: أخبرنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري: أن عليا مر ببابل وهو يسير فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ قال: إن حبيبي - صلى الله عليه وسلم - نهاني أن أصلي في المقبرة ونهاني أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أزهر وابن لهيعة عن حجاج بن شداد عن أبي صالح الغفاري عن علي بمعنى حديث سليمان بن داود قال: فلما خرج منها برز وهذا الحديث حسن عند الامام أبي داود لأنه رواه وسكت عليه ففيه من الفقه كراهية الصلاة بأرض بابل كما تكره بديار ثمود الذين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدخول إلى منازلهم إلا أن يكونوا باكين قال أصحاب الهيئة: وبعد ما بين بابل وهي من أقليم العراق عن البحر المحيط الغربي ويقال له أوقيانوس سبعون درجة ويسمون هذا طولا وأما عرضها وهو بعد ما بينها وبين وسط الأرض من ناحية الجنوب وهو المسامت لخط الاستواء اثنان وثلاثون درجة والله أعلم.
وقوله تعالى " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال: فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي وقالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والايمان فعرفا أن السحر من الكفر قال: فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه فإذا علمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعا في السماء فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع. وعن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحدا حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر رواه ابن أبي