واتباع رسله في تصديق ما أخبروا وامتثال ما أمروا وترك ما عنه زجروا وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم لعنهم الله في دعوى استحالة النسخ إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: فتأويل الآية ألم تعلم يا محمد أن لي ملك السماوات والأرض وسلطانهما دون غيري أحكم فيهما وفيما فيهما بما أشاء وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء وأنهى عما أشاء وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي بما أشاء إذ أشاء ثم قال: وهذا الخبر وإن كان خطابا من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على وجه الخبر عن عظمته فإنه منه جل ثناؤه تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة وجحدوا نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام لمجيئهما بما جاءا به من عند الله بتغير ما غير الله من حكم التوراة فأخبرهم الله أن له ملك السماوات والأرض وسلطانهما وأن الخلق أهل مملكته وطاعته وعليهم السمع والطاعة لامره ونهيه وأن له أمرهم بما يشاء ونهيهم عما يشاء ونسخ ما يشاء وإقرار ما يشاء وإنشاء ما يشاء من إقراره وأمره ونهيه " قلت " الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النسخ إنما هو الكفر والعناد فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله تعالى لأنه يحكم ما يشاء كما أنه يفعل ما يريد مع أنه قد وقع ذلك في كتبه المتقدمة وشرائعه الماضية كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرم ذلك وكما أباح لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ثم نسخ حل بعضها وكان نكاح الأختين مباح لإسرائيل وبنيه وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها وأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده ثم نسخه قبل الفعل وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم ثم رفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم القتل وأشياء كثيرة يطول ذكرها وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه وما يجاب به عن هذه الأدلة بأجوبة لفظية فلا يصرف الدلالة في المعنى إذ هو المقصود وكما في كتبهم مشهورا من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم والامر باتباعه فإنه يفيد وجوب متابعته عليه الصلاة والسلام وأنه لا يقبل عمل إلا على شريعته وسواء قيل إن الشرائع المتقدمة مغياة إلى بعثته عليه السلام فلا يسمى ذلك نسخ لقوله ثم أتموا الصيام إلى الليل وقيل إنها مطلقة وإن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسختها فعلى كل تقدير فوجوب متابعته متعين لأنه جاء بكتاب هو آخر الكتب عهدا بالله تبارك وتعالى ففي هذا المقام بين تعالى جواز النسخ ردا على اليهود عليهم لعنة الله حيث قال تعالى " ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض " الآية فكما أن الملك بلا منازع فكذلك له الحكم بما يشاء " ألا له الخلق والامر " وقرئ في سورة آل عمران التي نزل صدرها خطاب مع أهل الكتاب وقوع النسخ في وقوله تعالى " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " الآية. كما سيأتي تفسيره والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى لما له في ذلك من الحكمة البالغة وكلهم قال بوقوعه وقال أبو مسلم الأصبهاني المفسر: لم يقع شئ من ذلك في القرآن وقوله ضعيف مردود مرذول وقد تعسف في الأجوبة عما وقع من النسخ فمن ذلك قضية العدة بأربعة أشهر وعشر بعد الحول لم يجب على ذلك بكلام مقبول وقضية تحويل القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس لم يجب بشئ ومن ذلك نسخ مصابرة المسلم لعشرة من الكفرة إلى مصابرة الاثنين ومن ذلك نسخ وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك والله أعلم.
أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل (108) نهى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء قبل كونها كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم ولا تسألوا عن الشئ قبل كونه فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة ولهذا جاء في الصحيح " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته " ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلا فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل