إنا أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا فذلك حين عيرهم الله تبارك وتعالى فقال تعالى " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم " الآية. وقال أسباط عن السدي عن الشعبي: نزلت هذه الآية في قيس بن الحطيم " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم " الآية. وقال أسباط عن السدي عن عبد خير قال: غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهلي بلنجر فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واشترى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة فلما مر برأس الجالوت نزل به فقال له عبد الله: يا رأس الجالوت هل لك في عجوز ههنا من أهل دينك تشتريها مني قال: نعم قال: أخذتها بسبعمائة درهم قال: فإني أربحك سبعمائة أخرى قال: فإني قد حلفت أن لا أنقصها من أربعة آلاف قال: لا حاجة لي فيها قال: والله لتشترينها مني أو لتكفرن بدينك الذي أنت عليه قال: ادن مني فدنا منه فقرأ في أذنه مما في التوراة: إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا اشتريته فأعتقته " وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم " قال: أنت عبد الله بن سلام؟ قال: نعم قال: فجاء بأربعة آلاف فأخذ عبد الله ألفين ورد عليه ألفين.
وقال: آدم بن إياس في تفسيره: حدثنا أبو جعفر يعني الرازي حدثنا الربيع بن أنس أخبرنا أبو العالية أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ولا يفادي من وقع عليه العرب فقال عبد الله: أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن والذي أرشدت إليه الآية الكريمة وهذا السياق ذم اليهود في قيامهم بأمر التوراة التي يعتقدون صحتها ومخالفة شرعها مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها ولا يصدقون فيما كتموه من صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونعته ومبعثه ومخرجه ومهاجره وغير ذلك من شؤونه التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم ولهذا قال تعالى " فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا " أي بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره " ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب " جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم " وما الله بغافل عما تعملون ". * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة " واختاروها " فلا يخفف عنهم العذاب " أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة " ولا هم ينصرون " أي وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه.
ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87) ينعت تبارك وتعالى بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة والاستكبار على الأنبياء وأنهم إنما يتبعون أهواءهم فذكر تعالى أنه آتي موسى الكتاب وهو التوراة فحرفوها وبدلوها وخالفوا أوامرها وأولوها وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته كما قال تعالى " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " الآية ولهذا قال تعالى " وقفينا من بعده بالرسل " قال السدي عن أبي مالك: أتبعنا وقال غيره: أردفنا. والكل قريب كما قال تعالى " ثم أرسلنا رسلنا تترى " حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام ولهذا أعطاه الله من البينات وهي المعجزات. قال ابن عباس: من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام وإخباره بالغيوب وتأييده بروح القدس وهو جبريل عليه السلام - ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به فاشتد تكذيب بني إسرائيل له وحسدهم وعنادهم لمخالفة التوراة البعض كما قال تعالى إخبارا عن عيسى " ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم " الآية. فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء أسوأ المعاملة ففريقا يكذبونه وفريقا يقتلونه وما ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبالالزام