والصغار في الدنيا والآخرة كما قال تعالى " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " أي صاغرين حقيرين ذليلين راغمين وقد قال الإمام أحمد حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شئ من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار ".
وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين (91) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92) يقول تعالى " وإذا قيل لهم " أي لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب " آمنوا بما أنزل الله " على محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدقوه واتبعوه " قالوا نؤمن بما أنزل علينا " أي يكفينا الايمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك " ويكفرون بما وراءه " يعنى بما يعدوه " وهو الحق مصدقا لما معهم " أي وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - " الحق مصدقا لما معهم " منصوبا على الحال أي في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل فالحجة قائمة عليهم بذلك كما قال تعالى " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " ثم قال تعالى " فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين " أي إن كنتم صادقين في دعواكم الايمان بما أنزل إليكم فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها وأنتم تعلمون صدقهم؟ قتلتموهم بغيا وعنادا واستكبارا على رسل الله فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء والآراء والتشهي كما قال تعالى " أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريق تقتلون " وقال السدي في هذه الآية يعيرهم الله تبارك وتعالى " قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين " وقال أبو جعفر بن جرير: قل يا محمد ليهود بني إسرائيل إذا قلت لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا: لم تقتلون - إن كنتم مؤمنين بما أنزل الله - أنبياء الله يا معشر اليهود وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم بل أمركم باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم نؤمن بما أنزل علينا وتعيير لهم " ولقد جاءكم موسى بالبينات " أي بالآيات الواضحات والدلائل القاطعات على أنه رسول الله وأنه لا إله إلا الله والآيات البينات هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد وفرق البحر وتظليلهم بالغمام والمن والسلوى والحجر وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها ثم اتخذتم العجل أي معبودا من دون الله في زمان موسى وأيامه وقوله من بعده أي من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله عز وجل كما قال تعالى " واتخذ قوم موسى من حليهم عجلا جسدا له خوار " " وأنتم ظالمون " أي وأنتم ظالمون في هذا الصنيع الذي صنعتموه من بعده عبادتكم العجل وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله كما قال تعالى " ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ".
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ماء اتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93) يعدد سبحانه وتعالى عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوهم وإعراضهم عنه حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه ولهذا قالوا " سمعنا وعصينا " وقد تقدم تفسير ذلك " وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم " قال عبد الرزاق عن قتادة " وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم " قال أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقال الإمام أحمد حدثنا عصام بن خالد حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن