أي لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة كما قال تعالى " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " وقال عليه الصلاة والسلام " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا " الحديث أي لا نفتقر في عبادتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب، وقال تبارك وتعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم " وقال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه. قال وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قول خلاف هذا وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى " ومنهم أميون " قال الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله، وقال قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله، ثم قال ابن جرير: وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب. قلت ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الاسناد نظر والله أعلم. وقوله تعالى " إلا أماني " قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس إلا أماني الأحاديث وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى " إلا أماني " يقول إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا. وقال مجاهد إلا كذبا: وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني " قال أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب، أماني يتمنونها وعن الحسن البصري نحوه وقال أبو العالية والربيع وقتادة إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إلا أماني قال تمنوا فقالوا نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم قال ابن جرير والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئا ولكنهم يتخرصون الكذب يتخرصون الأباطيل كذبا وزورا والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ما تغنيت ولا تمنيت يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب. وقيل المراد بقوله إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضا أي إلا تلاوة فعلى هذا يكون استثناء منقطعا واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى " إلا إذا تمنى " أي تلا " ألقى الشيطان في أمنيته " الآية. وقال كعب بن مالك الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة * وآخره لاقى حمام المقادر وقال آخر:
تمنى كتاب الله آخر ليلة * تمني داود الكتاب على رسل وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس " لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون " أي ولا يدرون ما فيه وهم يجدون نبوتك بالظن وقال مجاهد " وإن هم إلا يظنون " يكذبون وقال قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون بالله الظنون بغير الحق. وقوله تعالى " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " ثم يقولون " هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا " الآية. هؤلاء صنف آخر من اليهود وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل والويل الهلاك والدمار وهي كلمة مشهورة في اللغة:
وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض سمعت أبا عياض يقول: ويل صديد في أصل جهنم. وقال عطاء بن يسار:
الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت. وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره " ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج به وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة " قلت " لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ولكن الآفة ممن بعده وهذا الحديث بهذا الاسناد مرفوعا منكر والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا