ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض " الآيتين فحكم عليهم بالكفر المحقق إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدو لله لان جبرائيل لا ينزل بالامر من تلقاء نفسه وإنما ينزل بأمر ربه كما قال " وما نتنزل إلا بأمر ربك " الآية وقال تعالى " وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من عادي لي وليا فقد بارزني بالحرب " ولهذا غضب الله لجبرائيل على من عاداه فقال تعالى " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه " أي من الكتب المتقدمة " وهدى وبشرى للمؤمنين " أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة وليس ذلك إلا للمؤمنين كما قال تعالى " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء " الآية وقال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " الآية ثم قال تعالى " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " يقول تعالى من عاداني وملائكتي ورسلي - ورسله تشمل رسله من الملائكة كما قال تعالى " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " - وجبريل وميكال وهذا من باب عطف الخاص على العام فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل ثم خصصا بالذكر لان السياق في الانتصار لجبرائيل وهو السفير بين الله وأنبيائه وقرن معه مكائيل في اللفظ لان اليهود زعموا أن جبريل عدوهم وميكائيل وليهم فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحدا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضا ولأنه أيضا ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان كما قرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابتداء الامر ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر هذاك بالهدى وهذا بالرزق كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل يقول " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " وقد تقدم ما حكاه البخاري ورواه ابن جرير عن عكرمة وغيره أنه قال جبروميك وإسراف: عبيد وإيل: الله وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن إسماعيل بن أبي رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمن وقيل جبر عبد وإيل الله. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن علي بن الحسين قال: أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم؟ قلنا لا قال: اسمه عبد الله وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عز وجل قال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد والضحاك ويحيى بن يعمر نحو ذلك ثم قال: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني عبد العزيز بن عمير قال: اسم جبرائيل في الملائكة خادم الله قال: فحدثت به أبا سليمان الداراني فانتفض وقال: لهذا الحديث أحب إلي من كل شئ في دفتر كان بين يديه. وفي جبرائيل وميكائيل لغات وقراءات تذكر في كتب اللغة والقراءات ولم نطول كتابنا هذا بسرد ذلك إلا أن يدور فهم المعنى عليه أو يرجع الحكم في ذلك إليه وبالله الثقة وهو المستعان وقوله تعالى " فإن الله عدو للكافرين " فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل فإنه عدو بل قال " فإن الله عدو للكافرين " كما قال الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شئ * سبق الموت ذا الغني والفقيرا وقال الآخر:
ليت الغراب غداة ينعب دائبا * كان الغراب مقطع الأوداج وإنما أظهر الله هذا الاسم ههنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره وإعلامهم أن من عادى وليا لله فقد عادى الله ومن عادى الله فإن الله عدو له ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة كما تقدم الحديث " من عادى لي وليا فقد آذنته بالمحاربة " وفى الحديث الآخر " إني لا ثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب " وفي الحديث الصحيح " من كنت خصمه خصمته ".