بظهور تلك الآيات، أو يزداد إصرارهم واستكبارهم، فلو علم تعالى أنهم طلبوا ذلك لأجل الاسترشاد وطلب البيان ومزيد الفائدة، لأظهره الله تعالى وما منعهم عنه، لكنه تعالى لما علم أنهم لم يقولوا ذلك إلا لأجل محض العناد لا جرم أنه تعالى منعهم عن ذلك وهو كقوله تعالى: * (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا) * (يونس: 20) وقوله: * (قل إنما الآيات عند الله) *. (العنكبوت: 50) والثاني: أن وجه النظم أنه تعالى لما قال: * (وإن تعجب فعجب قولهم) * (الرعد: 5) في إنكار البعث وذلك لأنهم أنكروا البعث بسبب أن أجزاء أبدان الحيوانات عند تفرقها وتفتتها يختلط بعضها ببعض ولا يبقى الامتياز فبين تعالى أنه إنما لا يبقى الامتياز في حق من لا يكون عالما بجميع المعلومات، أما في حق من كان عالما بجميع المعلومات، فإنه يبقى تلك الأجزاء بحيث يمتاز بعضها عن البعض، ثم احتج على كونه تعالى عالما بجميع المعلومات بأنه يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام. الثالث: أن هذا متصل بقوله: * (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) * (الرعد: 6) والمعنى: أنه تعالى عالم بجميع المعلومات فهو تعالى إنما ينزل العذاب بحسب ما يعلم كونه فيه مصلحة والله أعلم.
المسألة الثانية: لفظ " ما " في قوله: * (ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) * إما أن تكون موصولة وإما أن تكون مصدرية، فإن كانت موصولة، فالمعنى أنه يعلم ما تحمله من الولد أنه من أي الأقسام أهو ذكر أم أنثى وتام أو ناقص وحسن أو قبيح وطويل أو قصير وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة فيه.
ثم قال: * (وما تغيض الأرحام) * والغيض هو النقصان سواء كان لازما أو متعديا يقال: غاض الماء وغضته أنا ومنه قوله تعالى: * (وغيض الماء) * (هود: 44) والمراد من الآية وما تغيضه الأرحام إلا أنه حذف الضمير الراجع وقوله: * (وما تزداد) * أي تأخذه زيادة تقول: أخذت منه حقي وازددت منه كذا، ومنه قوله تعالى: * (وازدادوا تسعا) * (الكهف: 25) ثم اختلفوا فيما تغيضه الرحم وتزداده على وجوه. الأول: عدد الولد فإن الرحم قد يشتمل على واحد واثنين وعلى ثلاثة وأربعة يروي أن شريكا كان رابع أربعة في بطن أمه. الثاني: الولد قد يكون مخدجا، وقد يكون تاما. الثالث: مدة ولادته قد تكون تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وإلى أربعة عند الشافعي وإلى خمس عند مالك، وقيل: إن الضحاك ولد لسنتين، وهرم بن حيان بقي في بطن أمه أربع سنين ولذلك سمي هرما. الرابع: الدم فإنه تارة يقل وتارة يكثر. الخامس: ما ينقص بالسقط من غير أن يتم وما يزداد بالتمام. السادس: ما ينقص بظهور دم الحيض، وذلك لأنه إذا سال الدم في وقت الحمل ضعف الولد ونقص. وبمقدار حصول ذلك النقصان يزداد أيام الحمل لتصير هذه الزيادة