حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم فتكون من الظالمين) *.
فيه مسائل: المسألة الأولى: روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وخباب وبلال وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء عن قومك؟ أفنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ أطردهم عن نفسك، فلعلك إن طردتهم اتبعناك، فقال عليه السلام: " ما أنا بطارد المؤمنين " فقالوا فأقمهم عنا إذا جئنا، فإذا أقمنا فأقعدهم معك إن شئت، فقال " نعم " طمعا في إيمانهم. وروي أن عمر قال له: لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون، ثم ألحوا وقالوا للرسول عليه السلام: أكتب لنا بذلك كتابا فدعا بالصحيفة وبعلي ليكتب فنزلت هذه الآية، فرمى الصحيفة، واعتذر عمر عن مقالته، فقال سلمان وخباب: فينا نزلت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا وندنوا منه حتى تمس ركبتنا ركبته، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام، فنزل قوله * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) * (الكهف: 28) فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه وقال: " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات ". المسألة الثانية: احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجوه: الأول: أنه عليه السلام طردهم والله تعالى نهاه عن ذلك الطرد، فكان ذلك الطرد ذنبا. والثاني: أنه تعالى قال: * (فتطردهم فتكون من الظالمين) * وقد ثبت أنه طردهم، فيلزم أن يقال: إنه كان من الظالمين. والثالث: أنه تعالى حكى عن نوح عليه السلام أنه قال: * (وما أنا بطارد الذين آمنوا) * (هود: 29) ثم إنه تعالى أمر محمدا عليه السلام بمتابعة الأنبياء عليهم السلام في جميع الأعمال الحسنة، حيث قال: * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90) فبهذا الطريق وجب على محمد عليه السلام أن لا يطردهم، فلما طردهم كان ذلك ذنبا. والرابع: أنه تعالى ذكر هذه الآية في سورة الكهف، فزاد فيها فقال: * (تريد زينة الحياة الدنيا) * (الكهف: 28) ثم إنه تعالى نهاه عن الالتفات إلى زينة الحياة الدنيا في آية أخرى فقال * (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) * (طه: 131) فلما نهى عن الالتفات إلى زينة الدنيا، ثم