* (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) * فأحد الفريقين يرى الآخر متقدما عليه في المناصب الدينية والفريق الآخر يرى الفريق الأول متقدما عليه في المناصب الدنيوية، فكانوا يقولون أهذا هو الذي فضله الله علينا، وأما المحققون فهم الذين يعلمون أن كل ما فعله الله تعالى فهو حق وصدق وحكمة وصواب ولا اعتراض عليه، إما بحكم المالكية على ما هو قول أصحابنا أو بحسب المصلحة على ما هو قول المعتزلة، فكانوا صابرين في وقت البلاء، شاكرين في وقت الآلاء والنعماء وهم الذين قال الله تعالى فحقهم * (أليس الله بأعلم بالشاكرين) *. المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال من وجهين: الأول: أن قوله * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) * تصريح بأن إلقاء تلك الفتنة من الله تعالى، والمراد من تلك الفتنة ليس إلا اعتراضهم على الله في أن جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين والاعتراض على الله كفر وذلك يدل على أنه تعالى هو الخالق للكفر. والثاني: أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا * (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) * والمراد من قوله * (من الله عليهم) * هو أنه عليهم بالإيمان بالله ومتابعة الرسول، وذلك يدل على أنم هذه المعاني إنما تحصل من الله تعالى لأنه لو كان الموجد للإيمان هو العبد، فالله ما من عليه بهذا الإيمان، بل العبد هو الذي من على نفسه بهذا الإيمان، فصارت هذه الآية دليلا على قولنا في هذه المسألة من هذين الوجهين: أجاب الجبائي عنه، بأن الفتنة في التكليف ما يوجب التشديد، وإنما فعلنا ذلك ليقولوا أهؤلاء؟ أي ليقول بعضهم لبعض استفهاما لا إنكارا * (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) * بالإيمان؟ وأجاب الكعبي عنه بأن قال: * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) * ليصبروا أو ليشكروا، فكان عاقبة أمرهم أن قالوا * (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) * على ميثاق قوله * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) والجواب عن الوجهين أنه عدول عن الظاهر من غير دليل لا سيما والدليل العقلي قائم على صحة هذا الظاهر، وذلك لأنه لما كانت مشاهدة هذه الأحوال توجب الأنفة، والأنفة توجب العصيان والاصرار على الكفر، وموجب الموجب موجب، كان الالزام واردا، والله أعلم. المسألة الثالثة: في كيفية افتتان البعض بالبعض وجوه: الأول: أن الغنى والفقر كانا سببين لحصول هذا الافتتان كما ذكرنا في قصة نوح عليه السلام، وكما قال في قصة قوم صالح * (وقال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) * (الأعراف: 76) والثاني: ابتلاء الشريف بالوضيع. والثالث: ابتلاء الذكي بالأبله. وبالجملة فصفات الكمال مختلفة متفاوتة، ولا تجتمع في
(٢٣٨)