بتخفيف الهمزة في كل القرآن، والكسائي ترك الهمزة في كل القرآن، والباقون بالهمزة. أما تخفيف الهمزة، فالمراد جعلها بين الهمزة والألف على التخفيف القياسي. وأما مذهب الكسائي فحسن، وبه قرأ عيسى بن عمر وهو كثير في الشعر، وقد تكلمت العرب في مثله بحذف الهمزة للتخفيف كما قالوا: وسله، وكما أنشد أحمد بن يحيى: وإن لم أقاتل فالبسوني برقعا بحذف الهمزة. أراد فألبسوني بإثبات الهمزة. وأما الذين قرأوا بتخفيف الهمزة فالسبب أن الهمزة عين الفعل والله أعلم. المسألة الثالثة: معنى الآية أن الله تعالى قال لمحمد عليه السلام: قل يا محمد لهؤلاء الكفار إن أتاكم عذاب الله في الدنيا وأتاكم العذاب عند قيام الساعة، أترجعون إلى غير الله في دفع ذلك البلاء والضر أو ترجعون فيه إلى الله تعالى؟ ولما كان من المعلوم بالضرورة أنهم إنما يرجعون إلى الله تعالى في دفع البلاء والمحنة لا إلى الأصنام والأوثان، لا جرم قال * (بل إياه تدعون) * يعني أنكم لا ترجعون في طلب دفع البلية والمحنة إلا إلى الله تعالى. ثم قال: * (فيكشف ما تدعون إليه) * أي فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم وتنسون ما تشركون به، وفيه وجوه: الأول: قال ابن عباس: المراد تتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع. الثاني: قال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم، وهذا قول الحسن لأنه قال: يعرضون إعراض الناسي، ونظيره قوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله) * (يونس: 22) ولا يذكرون الأوثان. المسألة الرابعة: هذه الآية تدل على أنه تعالى قد يجيب الدعاء إن شاء وقد لا يجيبه، لأنه تعالى قال: * (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) * ولقائل أن يقول: إن قوله * (ادعوني أستجب لكم) * (غافر: 60) يفيد الجزم بحصول الإجابة، فكيف الطريق إلى الجمع بين الآيتين. والجواب أن نقول: تارة يجزم تعالى بالإجابة وتارة لا يجزم، إما بحسب محض المشيئة كما هو قول أصحابنا، أو بحسب رعاية المصلحة كما هو قول المعتزلة، ولما كان كلا الأمرين حاصلا لا جرم وردت الآيتان على هذين الوجهين. المسألة الخامسة: حاصل هذا الكلام كأنه تعالى يقول لبدة الأوثان: إذا كنتم ترجعون عند نزول الشدائد إلى الله تعالى لا إلى الأصنام والأوثان، فلم تقدمون على عبادة الأصنام التي
(٢٢٣)