وفيه مسائل: المسألة الأولى: هذا معطوف على قوله * (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك) * (المائدة: 110) وعلى هذا القول فهذا الكلام إنما يذكره لعيسى يوم القيامة، ومنهم من قال: إنه تعالى قال هذا الكلام لعيسى عليه السلام حين رفعه إليه وتعلق بظاهر قوله * (وإذ قال الله) * وإذ تستعمل للماضي، والقول الأول أصح، لأن الله تعالى عقب هذه القصة بقوله * (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * (المائدة: 119) والمراد به يوم القيامة، وأما التمسك بكلمة إذ فقد سبق الجواب عنه. المسألة الثانية: في قوله * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * سؤالان: أحدهما: أن الاستفهام كيف يليق بعلام الغيوب. وثانيهما: أنه كان عالما بأن عيسى عليه السلام لم يقل ذلك فلم خاطبه به؟ فإن قلتم الغرض منه توبيخ النصارى وتقريعهم فنقول: إن أحدا من النصارى لم يذهب إلى القول بإلهية عيسى ومريم مع القول ينفي إلهية الله تعالى فكيف يجوز أن ينسب هذا القول إليهم مع أن أحدا منهم لم يقل به. والجواب: عن السؤال الأول أنه استفهام على سبيل الإنكار. والجواب: عن السؤال الثاني أن الإله هو الخالق والنصارى يعتقدون أن خالق المعجزات التي ظهرت على يد عيسى ومريم هو عيسى عليه السلام ومريم والله تعالى ما خلقها البتة وإذا كان كذلك فالنصارى قد قالوا إن خالق تلك المعجزات هو عيسى ومريم والله تعالى ليس خالقها، فصح أنهم أثبتوا في حق بعض الأشياء كون عيسى ومريم إلهين له مع أن الله تعالى ليس إلها له فصح بهذا التأويل هذه الحكاية والرواية. ثم قال تعالى: * (قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) * أما قوله * (سبحانك) * فقد فسرناه في قوله * (سبحانك لا علم لنا) * (البقرة: 32). وأعلم أن الله تعالى لما سأل عيسى أنك هل قلت كذا لم يقل عيسى بأني قلت أو ما قلت بل قال ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، وهذا ليس بحق ينتج أنه ما يكون لي أن أقول هذا الكلام لأن هذا يجري مجرى دعوى الطهارة والنزاهة، والمقام مقام الخضوع والتواضع، ولم يقل بأني قلته بل فوض ذلك إلى عمله المحيط بالكل. فقال: * (إن كنت قلته فقد علمته) * وهذا مبالغة في الأدب وفي إظهار الذل والمسكنة في حضرة الجلال وتفويض الأمور بالكلية إلى الحق سبحانه.
(١٣٤)