وبإدغام اللام في التاء، وسبب الادغام أن اللام قريب المخرج من التاء لأنهما من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وبحسب قرب الحرف من الحرف يحسن الإدغام، وهذه القراءة مروية عن علي وابن عباس. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانوا أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع وإنما قالوا هل تستطيع أن تسأل ربك. وعن معاذ بن جبل: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم * (هل تستطيع) * بالتاء * (ربك) * بالنصب والباقون يستطيع بالياء ربك برفع الباء وبالإظهار فأما القراءة الأولى فمعناها: هل تسطيع سؤال ربك؟ قالوا وهذه القراءة أولى من الثانية لأن هذه القراءة توجب شكهم في استطاعة عيسى، والثانية توجب شكهم في استطاعة الله، ولا شك أن الأولى أولى، وأما القراءة الثانية ففيها إشكال، وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم * (قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون) * (المائدة: 111) وبعد الإيمان كيف يجوز أن يقال إنهم بقوا شاكين في اقتدار الله تعالى على ذلك. والجواب عنه من وجوه: الأول: أنه تعالى ما وصفهم بالإيمان والإسلام بل حكى عنهم ادعاءهم لهما ثم أتبع ذلك بقوله حكاية عنهم * (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) * فدل ذلك على أنهم كانوا شاكين متوقفين فإن هذا القول لا يصدر عمن كان كاملا في الإيمان وقالوا: ونعلم أن قد صدقتنا وهذا يدل على مرض في القلب وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم * (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * يدل على أنهم ما كانوا كاملين في الإيمان. والوجه الثاني: في الجواب أنهم كانوا مؤمنين إلا أنهم طلبوا هذه الآية ليحصل لهم مزيد الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام * (ولكن ليطمئن قلبي) * ( البقرة: 260) فإن مشاهدة مثل هذه الآية لا شك أنها تورث الطمأنينة ولهذا السبب قالوا وتطمئن قلوبنا. والوجه الثالث: في الجواب أن المراد من هذا الكلام استفهام أن ذلك هل هو جائز في الحكمة أم لا وذلك لأن أفعال الله تعالى لما كانت موقوفة على رعاية وجوه الحكمة ففي الموضع الذي لا يحصل فيه شيء من وجوه الحكمة يكون الفعل ممتنعا فإن المنافي من جهة الحكمة كالمنافي من جهة القدرة، وهذا الجواب يتمشى على قول المعتزلة، وأما على قولنا فهو محمول على أن الله تعالى هل قضى بذلك وهل علم وقوعه فإنه إن لم يقض به ولم يعلم وقوعه كان ذلك محالا غير مقدور لأن خلاف المعلوم غير مقدور. الوجه الرابع: قال السدي: * (هل يستطيع ربك) * أي هل يطيعك ربك إن سألته، وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع والسين زائدة. الوجه الخامس: لعل المراد بالرب: هو جبريل عليه السلام، لأنه كان يربيه ويخصه بأنواع
(١٢٩)