مما يجب شكرها عليك وأنت بجهلك تكرهها. وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح، أما منفعته في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجت الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساوئه، فهي هدايا يهديها الله إليه، أعني أنك تهدي إليه حسناتك فإنك كلما ذكرته بسوء نقل إلى ديوانه حسناتك وازدادت سيئاتك، فكأنك اشتهيت زوال نعم الله عنه إليك فأزيلت نعم الله عنك إليه، ولم تزل في كل حين وأوان تزداد شقاوة، وأما منفعته في الدنيا فمن وجوه. الأول: أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وكونهم مغمومين معذبين ولا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد، بل العاقل لا يشتهي موت عدوه بل يريد طول حياته ليكون في عذاب الحسد لينظر في كل حين وأوان إلى نعم الله عليه فيتقطع قلبه بذلك، ولذلك قيل:
لا مات أعداؤك بل خلدوا * حتى يروا منك الذي يكمد لا زلت محسودا على نعمة * فإنما الكامل من يحسد الثاني: أن الناس يعلمون أن المحسود لا بد وأن يكون ذا نعمة فيستدلون بحسد الحاسد على كونه مخصوصا من عند الله بأنواع الفضائل والمناقب، وأعظم الفضائل مما لا يستطاع دفعه وهو الذي يورث الحسد فصار الحسد من أقوى الدلائل على اتصاف المحسود بأنواع الفضائل والمناقب. الثالث: أن الحاسد يصير مذموما بين الخلق ملعونا عند الخالق وهذا من أعظم المقاصد للمحسود. الرابع: وهو أنه سبب لازدياد مسرة إبليس وذلك لأن الحاسد لما خلا عن الفضائل التي اختص المحسود بها فإن رضي بذلك استوجب الثواب العظيم فخاف إبليس من أن يرضى بذلك فيصير مستوجبا لذلك الثواب، فلما لم يرض به بل أظهر الحسد فاته ذلك الثواب واستوجب العقاب فيصير ذلك سببا لفرح إبليس وغضب الله تعالى. الخامس: أنك عساك تحسد رجلا من أهل العلم وتحب أن يخطئ في دين الله وتكشف خطأه ليفتضح وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم وأي إثم يزيد على ذلك، وأي مرتبة أخس من هذه. وقد ظهر من هذه الوجوه أيها الحاسد أنك بمثابة من يرمي حجرا إلى عدوه ليصيب به مقتله فلا يصيبه، بل يرجع إلى حدقته اليمنى فيقلعها فيزداد غضبه فيعود ويرميه ثانيا أشد من الأول فيرجع الحجر على عينه الأخرى فيعميه فيزداد غيظه ويعود ثالثا فيعود على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل الأحوال، والوبال راجع إليه دائما وأعداؤه حواليه يفرحون به ويضحكون عليه، بل حال الحاسد أقبح من هذا لأن الحجر العائد لم يفوت إلا العين ولو بقيت لفاتت بالموت، وأما حسده فإنه يسوق إلى غضب الله وإلى النار، فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن يبقى له عين ويدخل بها النار فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود فما أزالها عنه ثم أزال نعمة الحاسد تصديقا لقوله تعالى: * (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) * (فاطر: 43) فهذه الأدوية العلمية