القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن أمن بعضكم فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه) *.
(يعني بذلك جل ثناؤه: فإن كان المدين أمينا عند رب المال والدين فلم يرتهن منه في سفره رهنا بدينه لأمانته عنده على ماله وثقته، فليتق الله المدين ربه، يقول: فليخف الله ربه في الذي عليه من دين صاحبه أن يجحده، أو يلط دونه، أو يحاول الذهاب به، فيتعرض من عقوبة الله ما لا قبل له به، وليؤد دينه الذي ائتمنه عليه إليه. وقد ذكرنا قول من قال هذا الحكم من الله عز وجل ناسخ الاحكام التي في الآية قبلها من أمر الله عز وجل بالشهود والكتاب، وقد دللنا على أولى ذلك بالصواب من القول فيه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.) وقد:
حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته) * إنما يعني بذلك في السفر، فأما الحضر فلا وهو واجد كاتبا، فليس له أن يرتهن ولا يأمن بعضهم بعضا.
وهذا الذي قاله الضحاك، من أنه ليس لرب الدين ائتمان المدين وهو واجد إلى الكاتب والكتاب والاشهاد عليه سبيلا وإن كانا في سفر، فكما قال لما قد دللنا على صحته فيما مضى قبل.
وأما ما قاله - من الامر في الرهن أيضا كذلك مثل الائتمان في أنه ليس لرب الحق الارتهان بماله إذا وجد إلى الكاتب والشهيد سبيلا في حضر أو سفر - فإنه قول لا معنى له لصحة الخبر عن رسول الله (ص) أنه: اشترى طعاما نساء، ورهن به درعا له. فجائز للرجل أن يرهن بما عليه، ويرتهن بماله من حق في السفر والحضر، لصحة الخبر بما ذكرنا عن رسول الله (ص)، وأن معلوما أن النبي (ص) لم يكن حين رهن من ذكرنا غير واجد كاتبا ولا شهيدا، لأنه لم يكن متعذرا عليه بمدينته في وقت من الأوقات الكاتب والشاهد، غير أنهما إذا تبايعا برهن، فالواجب عليهما إذا وجدا سبيلا إلى كاتب وشهيد، وكان البيع أو الدين