إحداهما شهادتها تذكرها الأخرى من تثبيت الذاكرة الناسية وتذكيرها ذلك، وانقطاع ذلك عما قبله.
ومعنى الكلام عند قارئ ذلك كذلك: واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، فإن إحداهما إن ضلت ذكرتها الأخرى، على استئناف الخبر عن فعلها إن نسيت إحداهما شهادتها من تذكير الأخرى منهما صاحبتها الناسية. وهذه قراءة كان الأعمش يقرؤها ومن أخذها عنه. وإنما نصب الأعمش تضل لأنها في محل جزم بحرف الجزاء، وهو إن. وتأويل الكلام على قراءته: إن تضلل، فلما اندغمت إحدى اللامين في الأخرى حركها إلى أخف الحركات وقع تذكر بالفاء، لأنه جواب الجزاء.
والصواب من القراءة عندنا في ذلك قراءة من قرأه بفتح أن من قوله: * (أن تضل إحداهما) * وبتشديد الكاف من قوله: * (فتذكر إحداهما الأخرى) * ونصب الراء منه، بمعنى: فإن لم يكونا رجلين فليشهد رجل وامرأتان كي إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى.
وأما نصب فتذكر فبالعطف على تضل، وفتحت أن بحلولها محل كي، وهي في موضع جزاء، والجواب بعده اكتفاء بفتحها، أعني بفتح أن من كي ونسق الثاني، أعني فتذكر على تضل، ليعلم أن الذي قام مقام ما كان يعمل فيه وهو ظاهر قد دل عليه وأدى عن معناه وعمله، أي عن كي. وإنما اخترنا ذلك في القراءة لاجماع الحجة من قدماء القراء والمتأخرين على ذلك، وانفراد الأعمش ومن قر قراءته في ذلك بما انفرد به عنهم، ولا يجوز ترك قراءة جاء بها المسلمون مستفيضة بينهم إلى غيرها. وأما اختيارنا فتذكر بتشديد الكاف، فإنه بمعنى تأدية الذكر من إحداهما على الأخرى وتعريفها بإنهاء ذلك لتذكر، فالتشديد به أولى من التخفيف.
وأما ما حكي عن ابن عيينة من التأويل الذي ذكرناه، فتأويل خطأ لا معنى له لوجوه شتى: أحدها: أنه خلاف لقول جميع أهل التأويل. والثاني: أنه معلوم بأن ضلال إحدى المرأتين في الشهادة التي شهدت عليها إنما هو خطؤها عنها بنسيانها إياها كضلال الرجل في دينه إذا تحير فيه، فعدل عن الحق، وإذا صارت إحداهما بهذه الصفة فكيف يجوز أن تصير الأخرى ذكرا معها مع نسيانها شهادتها وضلالها فيها؟ فالضالة منهما في شهادتها