2 التفسير لاحظنا في ما سبق من تفسير آيات هذه السورة أن قسما كبيرا منها يدور حول العقبات التي كان يضعها أهل الكتاب " اليهود والنصارى " في طريق المسلمين وما كانوا يوردونه من مجادلة وتساؤل، هذه الآية - أيضا - تشير إلى جانب آخر من ذلك الموضوع، ترد فيها على منطقهم الواهي الداعي إلى اعتبار التوراة كتابا متفقا عليه بين المسلمين واليهود، وترك القرآن باعتباره موضع خلاف.
لذلك فالآية تخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلة: قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم.
وذلك لأن هذه الكتب - كما قلنا - صادرة عن مبدأ واحد وأصولها واحدة، ولما كان آخر هذه الكتب السماوية أكملها وأجمعها فإنه هو الأجدر بالعمل به، كما أن الكتب السابقة تحمل بشائر وارشادات إلى آخر الكتب، وهو القرآن، فإذا كانوا - حسب زعمهم - يقبلون التوراة والإنجيل، وكانوا صادقين في زعمهم، فلا مندوحة لهم عن القبول بتلك البشائر أيضا، وإذ وجدوا تلك العلامات في القرآن، فإن عليهم أن يحنوا رؤوسهم خضوعا لها.
هذه الآية تقول أن الادعاء لا يكفي، بل لابد من اتباع ما جاء في هذه الكتب السماوية عمليا، ثم أن القضية ليست " كتابنا " و " كتابكم "، بل هي الكتب السماوية وما أنزل من الله، فكيف تريدون بمنطقكم الواهي هذا أن تتجاهلوا آخر كتاب سماوي؟
ويعود القرآن ليشير إلى حالة أكثريتهم، فيقرر أن أكثرهم لا يأخذون العبرة والعظة من هذه الآيات ولا يهتدون بها، بل أنهم - لما فيهم من روح العناد - يزدادون في طغيانهم وكفرهم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا.