وهكذا يكون التأثير المعكوس للآيات الصادقة والقول المتزن في النفوس المملوءة عنادا والجاجا.
وفي ختام الآية يخفف الله من حزن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إزاء تصلب هذه الأكثرية من المنحرفين وعنادهم، فيقول له فلا تأس على القوم الكافرين (1).
هذه الآية ليست مقصورة على اليهود - طبعا - فالمسلمون أيضا إذا اكتفوا بادعاء الإسلام ولم يقيموا تعاليم الأنبياء، وخاصة ما جاء في كتابهم السماوي، فلن تكون لهم منزلة ومكانة لا عند الله، ولا في حياتهم الفردية والاجتماعية، بل سيظلون دائما أذلاء ومغلوبين على أمرهم.
الآية التالية تعود لتقرر مرة أخرى هذه الحقيقة، وتؤكد أن جميع الأقوام وأتباع كل المذاهب دون استثناء، مسلمين كانوا أم يهودا أم صابئين (2) أم مسيحيين، لا ينجون ولا يأمنون الخوف من المستقبل والحزن على ما فاتهم إلا إذا آمنوا بالله وبيوم الحساب وعملوا صالحا: إن الذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
هذه الآية، في الحقيقة رد قاطع على الذين يظنون النجاة في ظل قومية معينة، ويفضلون تعاليم بعض الأنبياء على بعض، ويتقبلون الدعوة الدينية على أساس من تعصب قومي، فتقول الآية إن طريق الخلاص ينحصر في نبذ هذه الأقوال.
وكما أشرنا في تفسير الآية (62) من سورة البقرة، التي تقترب في مضمونها من مضمون هذه الآية سعى بعضهم بجد ليثبت أن هذه الآية تعتبر دليلا على " السلام العام " وعلى أن أتباع جميع الأديان ناجون، وأن يتجاهل فلسفة نزول الكتب السماوية بالتتابع الذي يدل على تقدم الإنسان في مسيرته التكاملية