" والعدالة " وحدها غير كافية، وقد اختلفوا في صفتها اختلافا شديدا حتى قالوا:
" إن من الصعب الوقوف على رسم العدالة فضلا عن حدها، وخاضوا في ذلك كثيرا، ولا نطيل فيما قالوه في ذلك، وقد عرفوا " الضابط " (1) في الرواية بأنه هو الذي يقل خطؤه في الرواية - وغير الضابط هو الذي يكثر غلطه (2) ووهمه، سواء أكان ذلك لضعف استعداده، أم لتقصيره في اجتهاده، وقد وضعوا صفات كثيرة للضابط لا نعرض لها (3). لأن كلا من العدالة والضبط له مراتب عليا ووسطى ودنيا، ويحصل من تركيب بعضها مع بعض مراتب للحديث مختلفة في القوة والضعف (4).
و " الثقة " هو الذي يجمع بين العدالة والضبط، وليس كل ما يرويه " الحافظ المتقن " صوابا لاحتمال أن يكون قد زل في بعض المواضع، وكذلك ليس كل ما يرويه " غير الحافظ المتقن " خطأ لإصابته في كثير من المواضع، والعاقل اللبيب هو الذي يسعى لمعرفة صواب كل فريق ليأخذ به.
الخبر وأقسامه:
لما كان الحديث عبارة عن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله كما عرفوه، وكان من لم يدرك هذه الأقوال بطريق الحس لا سبيل له إلى إدراكها إلا بطريق الخبر، اعتنى العلماء ببيان أقسام الخبر مطلقا، وجعلوا للحديث الذي هو قسم من أقسام الخبر بحثا خاصا به.
وقد قسم " علماء الكلام والأصول " الخبر إلى قسمين: خبر متواتر، وخبر آحاد " فالخبر المتواتر " هو خبر عن محسوس أخبر به جماعة بلغوا في الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه، وهو مفيد للعلم بنفسه (5) لأنه صحيح قطعا