بعد ذلك بين الأمويين والعباسيين، وكذلك ما كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود - وما تكنه قلوب أهل الأديان والأمم الأخرى للإسلام من بغض وشنآن.
حقا يجب على كل من يريد أن يقف على تاريخ الإسلام الصحيح أن يحيط بذلك كله علما فتنكشف أمامه آفاق بعيدة ينبعث منها نور قوي يهدي إلى تحليل الحوادث تحليلا صادقا، وتعليل الوقائع تعليلا صحيحا، فإن كل هذه الأمور كان لها ولا ريب أثر بعيد في تكوين التاريخ الإسلامي وفيما تدسس إلى تفسير القرآن من أساطير، وما نسب إلى النبي - كذبا - من أحاديث.
وإن التاريخ لينبئك أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما كاد ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى بدا ما كان يكنه بنو أمية من الموجدة لبني هاشم مما كان قد استسر بغطاء الإسلام حينا، فحاولوا إغراء بني هاشم بالمطالبة بالخلافة لكي تقع الفتنة، ولكن يقظة على أحبطت كيدهم فسكنوا وطووا على ما بين جوانحهم حتى يهيئوا فرصة تسنح لهم إلى أن تهيأت في خلافة عثمان رضي الله عنه.
ذلك بأنه ما كاد يتولى الأمر حتى كشف الأمويون عما كانت تخفى صدورهم - وكان رضي الله عنه أمويا - وأخذوا ينفذون خطتهم بدقة ومهارة حتى أصبح الأمر كله في عهده لهم، وانقلب نظام الحكم كله في السنين الأخيرة من حكم عثمان من خلافة عادلة، إلى ملك تتعاوره الأهواء، وتتداوله الأغراض.
ولما انشقت العصا بعد وفاة عثمان واستعرت نار الفتنة، وانشعب الناس إلى شعب متعددة، أخذ كل فريق يؤيد حزبه بكل ما يستطيع من وسائل التأييد المادية والمعنوية والقولية، فهذا يشايع الهاشميين، وذاك يناصر الأمويين، وهكذا.
وقد رأوا أن أقوى أسلحة الغلب أن يستعين كل فريق بأدلة مأثورة عن النبي تشد أزر فرقته وتقوى دعوتها، من أجل ذلك أخذوا جميعا يروون أحاديث ينسبونها إلى الرسول صلوات الله عليه، وبخاصة في الفضائل، كما رأيت ذلك في أسباب وضع الحديث من قبل.
وإنهم لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم وجدوا أن شخص الرسول صلوات الله عليه مما تعنوا له الهام، وأن مقامه بينهم جميعا فوق كل مقام، ولكن الغلب كتب