لبني أمية على بني هاشم بما كان لهم من قوة ومكر، وما كان في أيديهم من مال وسلطان وقهر.
وثم ناحية أخرى كان لها حظ كبير - في العبث بالرواية - وكان عمل أصحابها دينيا خفيا، وغايتها التي تسعى إليها أن تفسد عقائد الدين النقية، بأن تدخل فيها ما ليس منها وتدس إليها من التعاليم الزائفة ما يشوه جمالها، أولئك هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين أظهروا الإسلام خدعة، ثم ألقوا ما شاء لهم الكيد والهوى من الإسرائيليات والمسيحيات والأكاذيب في دين العرب الجديد - كما مر بك - ومن هذا، ومن أسباب كثيرة بيناها من قبل، أخذ الوضع والكذب يفشوان بين الناس، واستبحرت الرواية عن رسول الله حتى ركب الناس في ذلك - كما قال ابن عباس - الصعبة والذلول.
وإذا كان القرآن وهو الذي جعل له الرسول كتابا يقيدونه ساعة الوحي وكتب مرة أخرى في عهد أبي بكر، وكان يحفظه كثير من الصحابة، وقضى الله بحفظه في قوله تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "، قد اختلف المسلمون في قراءته حتى كفر بعضهم بعضا، ووقع هذا الاختلاف قبل انقضاء حوالي عشر سنين على موت الرسول صلوات الله عليه حتى اضطر عثمان في سنة 25 ه إلى كتابة مصاحف تحمل الصورة الصحيحة منه، ويبعث بها إلى الأمصار، ويأمر بما سواها من المصاحف التي تحمل القرآن المختلف في قراءته أن يحرق - إذا كان أمر القرآن هكذا، فترى ماذا يكون أمر الحديث وهو لم يكتب في عهد النبي، ولا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان وظل أمره مطلقا من قيد التدوين تكتنفه تلك الأهواء المختلفة، وتترامى به تيارات الأغراض المتباينة قرنا وبعض قرن؟؟!!
من أجل ذلك كان الوصول إلى معرفة الأحاديث الصحيحة شاقا، والبحث عن معرفة حقيقة ضمائر الرواة أشق. وإذا علم ذلك كله بدا - ولا ريب - أن تأخير التدوين كان له ضرر بالغ، إذ كان سببا في اتساع آفاق الرواية، واختلاط الصحيح بالموضوع، وتعذر التمييز بينهما على مر الدهور.